بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 27 نوفمبر 2024
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وناصر عباد المؤمنين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بذل حياته جهادا ونصرة حتى أتاه النصر المبين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه التابعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إنه كلما إنتقصت الأمانة نقصت شعب الإيمان ولما روى مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال أي في وسطها، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنّة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال "ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام الرجل، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء"
ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، "فيصبح الناس يتبايعون، لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرجل ما أظرفه ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه "أصدق الصدق الأمانة وأكذب الكذب الخيانة" وقال ابن أبي الدنيا "الداعي إلى الخيانة شيئان، المهانة وقلة الأمانة، فإذا حسمهما عن نفسه بما وصفت ظهرت مروءته" وقال ميمون بن مهران "ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر الأمان، والعهد، وصلة الرحم" وقال ابن عباس رضي الله عنهما "لم يرخص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة" وعن هشام أن عمر قال "لا تغرني صلاة امرئ ولا صومه من شاء صام ومن شاء صلى لا دين لمن لا أمانة له" وإن من أنواع الأمانات هي الأمانة في العبادة.
والأمانة في حفظ الجوارح، والأمانة في الودائع، والأمانة في العمل، والأمانة في البيع والشراء، والمسؤولية أمانة، والأمانة في حفظ الأسرار، والأمانة في الكلام، فنجد الأمانة تنظم شؤون الحياة كلها من عقيدة وعبادة وأدب ومعاملة وتكافل إجتماعي وسياسة حكيمة رشيدة وخلق حسن كريم، والأمانة بهذا المعنى وهذه الحدود، سر سعادة الأمم، ويوم كانت أمتنا من أصدق الشعوب والأمم في حمل هذه الأمانة والوفاء بها كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس، وإن من فوائد الأمانة هو أن الأمانة من كمال الإيمان وحسن الإسلام، ويقوم عليها أمر السّموات والأرض، وهي محور الدين وإمتحان رب العالمين، وكما أن بالأمانة يحفظ الدين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشهادة والقضاء والكتابة، والأمين يحبه الله ويحبه الناس.
ومن أعظم الصفات الخلقية التي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله تعالي " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " وإن مجتمع تفشو فيه الأمانة مجتمع خير وبركة، ولكن يا أخي الكريم كيف تكون أمينا؟ وهو أولا بأداء حق الله جل وعلا بتوحيده وفعل الواجبات والبعد عن المحرمات، ومن لم يكن أمينا في دينه حري به ألا يكون أمينا في معاملاته مع الناس، ومن ضيع حق الله جل وعلا فهو لحق غيره أضيع، وثانيا هو بذل جهدك في أداء ما كلفت به على الوجه المطلوب أينما كان مكانك ومهما كانت صفتك، وإن لم يعلم عنك أحد فالله جل وعلا هو السميع البصير، وهو سيجازيك لإحسانك ونزاهتك، ويعاقبك على إساءتك وتفريطك، وثالثا هو نزاهتك المادية بصيانة الأموال العامة وحفظها ورعايتها، وعدم التساهل فيما هو ليس من حقك.
والبعد عن كل ما فيه شبهة أو شك، فسلامة الدين لا يعدلها شيء، ومن ترك شيئا لله عوضه خيرا منه، ورابعا القيام بحقوق المسلمين والعدل فيها وعدم الظلم والجور وأدائها بالصفة الصحيحة والوقت المحدد، مع النصح لهم فيما هو خير وأنفع، وخامسا هو التعامل مع الموظفين بما تقتضيه الأمانة فلا إفراط ولا تفريط، والعدل فيما بينهم وتقوى الله فيهم، وفي المقابل عدم التساهل معهم في أداء أعمالهم.