فَضْلُ العَشْرِ وَلَيْلَةِ القَدْرِ -الراصد24 -->
جريدة الراصد 24 جريدة الراصد 24

داخل المقال

جاري التحميل ...

فَضْلُ العَشْرِ وَلَيْلَةِ القَدْرِ -الراصد24

 


         ▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

فَضْلُ العَشْرِ وَلَيْلَةِ القَدْرِ -الراصد24


▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


هَا قَدْ مَضَى أَكْثَرُ رَمَضَانَ، وَأَقْبَلْـنَا عَلَى الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ، فَهَلْ أَحْسَنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِنَا وَصِيَامِنَا وَقِرَاءَتِنَا وَقِيَامِنَا، هَلْ كُنَّا مِنَ الْمُقْبِلِينَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَأَفْعَالِ الْبِرِّ؟

 فَإِنْ كُنْتَ مُجْتَهِدًا فِيمَا مَضَى فَزِدِ اجْتِهَادًا، وَإِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُقَصِّرِينَ فِي الطَّاعَاتِ، الْمُفَرِّطِينَ فِي الْخَيْرَاتِ ؛ فَبَادِرْ إِلَى الْإحْسَانِ فِيمَا بَقِيَ؛ يُغْفَرْ لَكَ مَا قَدْ مَضَى .


 فَهَا هِيَ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَفِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي يُفْتَحُ فِيهَا الْبَابُ، وَيُقَرَّبُ فِيهَا الْأَحْبَابُ، وَيُسْمَعُ الْخِطَابُ، وَيُكْتَبُ لِلْعَامِلِينَ فِيهَا عَظِيمُ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، فَهِي لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ .


 قَالَ تَعَالَى: 


وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ


المطففين:26].


لَقَدْ خَصَّ اللهُ تَعَالَى لَيَالِيَ الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ بِالْأُجُورِ الْكَثِيرَةِ ، وَالْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ .


فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ بِالْعَمَلِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا وَهُوَ اجْتِهَادٌ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَمُخْتَلِفِ الْقُرُبَاتِ مِنْ صَلَاةٍ وَقُرْآنٍ وَذِكْرٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا .


فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْيِي لَيْلَهُ بِالْقِيَامِ وَالْقِرَاءةِ وَالذِّكْرِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ ؛ اغْتِنَامًا لِشَرَفِ هَذِهِ اللَّيَالِي وَطَلَبًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِيهَا .


فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:


 «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» 


رَوَاهُ مُسْلِمٌ


وَعَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: 


«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» 


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


 فَمَا هِي إِلَّا لَيَالٍ مَعْدُودَةٌ تَمُرُّ سَرِيعًا عَلَى الْعَبْدِ، فَعَلَيْهُ أَنْ يَغْتَنِمَ تِلْكَ الْفُرْصَةَ الْعَظِيمَةَ وَالْغَنِيمَةَ الْكَبِيرَةَ، وَيَجْتَهِدَ فِيهَا غَايَةَ الاجْتِهَادِ، وَيُذَكِّرَ أهْلَهُ وَوَلَدَهُ بِفَضَائِلِ تِلْكَ اللَّيَالِي، وَيَحُثَّهُمْ عَلَى الْقِيَامِ وَطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، عَسَى أَنْ تُصِيبَهُ وَأَهْلَهُ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ، فَـتَـكُونَ بِذَلِكَ سَعَادَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَنَعِيمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ. 


فِي هَذِهِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي أَعْلَى اللهُ قَدْرَهَا، وَأَعْظَمَ شَأْنَهَا؛ لِكَثْرَةِ خَيْرِهَا، وَبَرَكَةِ وَقْتِهَا، فَمَنْ وُفِّقَ لِنَيْلِهَا بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِيَامِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ؛ فَهُوَ السَّعِيدُ الرَّابِحُ، وَمِنْ حُرِمَهَا فَهُوَ الْمَغْبُونُ الْخَاسِرُ .


وَقَدْ أَشَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِفَضْلِهَا فِي كِتَابِهِ الْمُبِيْنِ فَقَالَ تَعَالَى : 


إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ


الدخان3


فَهِي لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ لِكَثْرَةِ خَيْرِهَا وَبَرَكَتِهَا وَفَضْلِهَا وَمِنْ بَرَكَتِهَا : 


أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُبَارَكَ أُنْزِلَ فِيهَا ، وَوَصَفَهَا سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ :  


فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ


الدخان:4


يَعْنِي : يُفَصَّلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَـبَـةِ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَنْ كُلِّ أَمْرٍ حَكِيمٍ مَنْ أَوَامِرِ اللهِ الْمُحْكَمَةِ الْمُتْقَنَةِ، ذَلِكَ تَقْديرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ .


بَلْ أَنْزَلَ اللهُ عَنْهَا سُورَةً كَامِلَةً وَهِيَ سُورَةُ الْقَدْرِ :


إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ


 القدر:1-5


فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ تُضَاعَفُ فِيهَا الْأُجُورَ، وَيَسْلَمُ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ وَيُكْثِرُ مِنَ التَّعَبُّدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِر مِنْ رَمَضَانِ ؛ رَجَاءَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ .


وَمَنْ قَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ إيمَانًا بِاللهِ، وَبِمَا أَعَدَّ اللهُ مِنَ الثَّوَابِ لِلْقَائِمِينَ فِيهَا، وَاحْتِسَابًا لِلْأَجْرِ؛ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ وَتَكْفيرِ سَيِّئَاتِهِ .


 فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 


«مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» 


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


وَمِنَ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ تَكْرَارِهَا فِي لَيَالِي الْعَشْرِ كُلِّهَا : 


مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم


فَقَدْ سَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ ؟ 


قَالَ: « تَقُولِينَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي» 


رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ 


لَقَدْ أَخْفَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَحْدِيدَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِعَيْنِهَا رَحْمَةً بِالْعِبَادِ وَاخْتِبَارًا لِيَكْثُرُ الْعَمَلُ فِي طَلَبِهَا، وَيَتَـبَيَّنَ الْجَادُّ الْحَرِيصُ مِنَ الْغَافِلِ الْمُتَـكَاسِلِ، فَهِيَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ، وَغَنِيمَةٌ كَبِيرَةٌ، فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُشَمِّرَ عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ، وَنَجْتَهِدَ فِي تَحْرِّي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ غَايَةَ الاجْتِهَادِ .


يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  


«تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»  


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَديثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا .


 وَهِيَ فِي اللَّيَالِي الْأَوْتَارِ أَقْرَبُ مِنَ الْأَشْفَاعِ لِحَديثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


«تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» 


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


 لَكِنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِلَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَعْوَامِ، بَلْ تَتَنَقَّلُ تَبَعًا لِمَشِيئَةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ .


فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 


«التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى» 


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ


قَالَ الْحَافِظُ ابْنَ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِلْخِلَافِ فِي وَقْتِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: 


وَأَرْجَحُهَا كُلِّهَا أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ ، مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الْأَشْفَاعِ كَمَا تَكُونُ فِي الْأَوْتَارِ .

 

فَقَدْ نَصَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تِيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ وَنَسَبُهُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الْأَشْفَاعٍ .


 لِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تِيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: 


وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّاهَا الْمُؤْمِنُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ جَمِيعِهِ .


 فَلنجْتَهِدُ فِي طَلَبِهَا، فَهَذَا أَوَانُ الطَّلَبِ، وَلنحْذَرُا

 مِنَ الْغَفْلَةِ ؛ فَفِي الْغَفْلَةِ الْعَطَبُ .

التعليقات



جريدة الراصد24

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد 24

2020