بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظلم الشهوات، وأخلص عقولهم عن ظلم الشبهات، أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة، وبراهين عظمته القاهرة، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله، واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات، شهادة تقود قائلها إلى الجنات وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، والمبعوث إلى كافة البريات، بالآيات المعجزات، والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة، وأصحابه الفضلاء الثقات، وعلى أتباعهم بإحسان، وسلم كثيرا ثم أما بعد لقد اختصت العشر الأوائل من ذي الحجة بيوم النحر وهو العيد الأكبر، وهو أفضل من عيد الفطر لاختصاصه بكثير من الشعائر والعبادات، وفيه تراق الدماء تعظيما لله تعالى.
ولا تذبح الضحايا والهدايا قبله فكان التنسك بالدماء لله تعالى في خاتمة هذه العشر المباركة، وكان آخر يوم منها وهو اليوم العاشر عيدا كبيرا للمسلمين، يذكرون الله تعالى فيه على ما هداهم، ويشكرونه على ما أعطاهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من غدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح" رواه ابن حبان، بل وانظر إلى ثواب السعي والمجيء يوم الجمعة، فعن أوس بن أوس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول"من غسّل يوم الجمعة واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشي ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" رواه أحمد، ومعنى غسل واغتسل، قال البعض هو من باب التوكيد وكلاهما بمعني واحد بدليل قوله ومشي ولم يركب.
وقال البعض معني غسّل أي أوجب على أهله الغسل قبل خروجه واغتسل هو، وقال آخرون إنما هو غسل بالتخفيف ومعناه غسل رأسه ثم اغتسل جميعه، وهذا من باب التأكيد على غسل الرأس، لأن العرب لهم شعور، فربما تغيرت رائحتها من الحر والعرق، فيحتاج إلى زيادة تنظيف، فلا يكفي إفاضة الماء عليها كما يكفي في بقية الجسد، ثم نأتي إلى الصلاة وهذا عام في كل الأيام، إلا أنه في هذه الأيام يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل فإن ذلك من أفضل القربات، فعن ثوبان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة" رواه مسلم، وهذا عام في كل وقت، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقي من درنه شيء؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء، قال فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" رواه البخارى ومسلم، بل من حافظ على هذه الصلوات الخمس ليس له جزاء إلا الجنة، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة" رواه أبو داود، بل انظر إلى كلمة آمين وما فيها من الفضل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
"إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخارى ومسلم، بل انظر إلى الذكر بعد الصلاة وما فيه من الأجر والفضل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال "جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، فقال صلى الله عليه وسلم" ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين" رواه البخارى ومسلم، بل انظر إلى فضل صلاة النافلة.
فعن أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من عبد مسلم يصلي لله تعالي في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير الفريضة إلا بني الله له بيتا في الجنة أو إلا بُني له بيت في الجنة" رواه مسلم، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة دخل الجنة، أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر" رواه النسائى، بل انظر إلى ركعتي الفجر وما فيها من فضل وأجر فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" رواه البخارى، بل بالمحافظة على النوافل قبل الظهر وبعده يحرم الإنسان على النار فعن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرّمه الله علي النار"