كتب أشرف ماهر ضلع
يوم 18 حزيران/يونيو 1815، طوى العالم حقبة نابليون بونابرت عقب هزيمة الأخير بمعركة واترلو (Waterloo). وبعد أربعة أيام فقط، اضطر الإمبراطور الفرنسي يوم 22 حزيران/يونيو 1815 للتنازل عن عرشه لينفى على إثر ذلك نحو جزيرة سانت هيلينا بعرض المحيط الأطلسي.
ومع نهاية هذه الحقبة التي غيّرت خريطة العالم، شهدت البشرية بالعام التالي واحدة من أسوأ الكوارث. فسنة 1816، شهدت الكرة الأرضية تقلبات مناخية غير مسبوقة أدت لظهور كوارث ومجاعات. وبسبب ذلك، لقّبت سنة 1816 بالعام بلا صيف وبسنة الفقر.
ثوران بركان تامبورا
خلال شهر نيسان/أبريل 1815، ثار بركان تامبورا (Tambora) الواقع بجزيرة سامباوا (Sumbawa) بإندونيسيا الحالية. وحسب التقديرات، صنف ثوران تامبورا كأعنف ثوران بركاني في التاريخ الإنساني المسجل. وفي الأثناء، تسبب ثوران بركان تامبورا في سقوط عشرات آلاف القتلى، كما ألقى بكميات هائلة من الرماد والدخان البركاني الغني بغاز ثنائي أكسيد الكبريت بالغلاف الجوي.
طابع بريدي أندونيسي صدر تخليدا لحادثة ثوران بركان تامبورا سنة 1815
وبسبب هذه الأحداث، عرف العالم بالسنوات الثلاث التالية تقلبات مناخية غير مسبوقة تميزت أساسا بانخفاض لافت للانتباه بدرجات الحرارة وظهور العواصف والأمطار الغزيرة. وفي الأثناء، أدى كل ذلك لإفساد المحاصيل وهو ما عجّل بظهور المجاعة والأمراض، كالكوليرا والتيفوس، بمناطق عديدة من العالم. وحسب مصادر تلك الفترة، عرفت الصين تراجعا حادا في زراعة وإنتاج الأرز، كما شهدت المناطق الأوروبية، خاصة فرنسا، انهيارا بمحاصيل القمح مقارنة بالسنوات السابقة.
اختراع الدريسية الملقبة بجدّة الدراجة المعاصرة
بسبب النقص الحاد في الغذاء، افتقرت الأحصنة، التي مثلت أهم وسيلة نقل بتلك الفترة، للعلف بكل من شمال القارة الأميركية وأوروبا. وبالمناطق الألمانية، كانت الأزمة أشد من المناطق الأوروبية الأخرى حيث اضطر الفلاحون لقتل الأحصنة للتغذي عليها.
أدى كل ذلك لتراجع حاد في عدد الأحصنة وهو ما تسبب بدوره في أزمة نقل بمختلف أرجاء أوروبا. وأمام هذا الوضع، اتجه المخترع الألماني المنحدر من دوقية بادن الكبرى (Grand Duchy of Baden) البارون كارل فون درايس (Karl von Drais) لابتكار الدريسية (Draisienne) سنة 1817.
وقد مثلت الدريسية نوعا من العربات المزودة بعجلتين التي يتم دفعها من قبل سائقها عبر وضع قدميه على الأرض بدلا من الدواسات. ويوم 12 حزيران/يونيو 1817، حققت الدريسية رقما قياسيا حيث قطع بها فون درايس مسافة 14.4 كلم خلال ساعة واحدة. وحسب تصريحاته، أكد كارل فون درايس أن الدريسية قادرة على تعويض الأحصنة بمجال النقل.
رسم كاريكاتيري للدريسية
صنفت الدريسية كأول وسيلة نقل تستخدم مبدأ العربة ذات العجلتين كما وصفت بالاختراع الذي قاد البشر لابتكار الدراجة المعاصرة. خلال شهر نيسان/أبريل 1818، عرضت الدريسية لأول مرة بباريس. ومع انبهار الناس بها، سوّقت الأخيرة تحت اسم الدراجة الهوائية. بعد سنوات، عرفت الدريسية تراجعا سريعا قبل أن تختفي نهائيا عقب ابتكار الدراجة ذات الدواسات والتي كان عملية قيادتها أسهل بكثير.