بقلم: محمد عبدالمجيد هندي، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس
إن مشهد الاقتصاد الوطني اليوم يضعنا أمام تحديات كبرى تتطلب إعادة النظر في الأسس التي يقوم عليها الإنتاج والعمل. نعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتنا الأساسية، حيث نستورد حوالي 97% من متطلبات البلاد، مع نسبة تصنيع محلي لا تتجاوز 3%. هذا الوضع يعكس بشكل واضح ضعف القاعدة الإنتاجية المحلية، ويطرح تساؤلات ملحة حول مستقبل الاقتصاد الوطني واستقلاليته.
لا يمكن لأمة أن تحقق نهضتها وتطورها إلا إذا استطاعت تأمين احتياجاتها الأساسية من خلال الإنتاج المحلي، الذي يقوم على استغلال الموارد الطبيعية والبشرية بكفاءة وابتكار. نحن اليوم بحاجة إلى تحفيز الروح الوطنية في نفوس الجميع، وإحياء روح الانتماء التي تجعل العمل ليس مجرد وسيلة للعيش، بل واجباً وطنياً يتشارك فيه كل مواطن.
المعوقات الحالية والإجراءات المطلوبة
يعود اعتمادنا الكبير على الاستيراد إلى سياسات اقتصادية سابقة أهملت دعم القطاعات الإنتاجية الأساسية مثل الزراعة والصناعة، التي تشكل ركيزة أي اقتصاد قوي ومستدام. وقد أدى ذلك إلى تآكل القاعدة الإنتاجية وتراجع دور العمال والفلاحين، الذين كانوا ولا يزالون العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية.
نحن بحاجة ماسة إلى إحداث ثورة في السياسات الاقتصادية تتجه نحو تشجيع التصنيع المحلي، وزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من خلال تطوير الزراعة والصناعة، وتعزيز الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية. لابد من وضع خطة شاملة لتحقيق هذا الهدف تعتمد على دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر من أهم محركات النمو الاقتصادي.
أهمية استثمار العنصر البشري
إن العامل والفلاح المصري هما العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية. ومن هنا تأتي أهمية بناء الإنسان وتأهيله ليتناسب مع احتياجات السوق المحلي والعالمي. نحن بحاجة إلى تطوير التعليم والتدريب المهني لخلق أجيال جديدة من العمال والفلاحين المؤهلين، الذين يمتلكون المهارات اللازمة للعمل في قطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.
لا يمكن تحقيق ذلك دون توفير بيئة عمل تضمن للعامل حقوقه وتحفظ له كرامته. لابد من دعم النقابات العمالية والفلاحية المستقلة، التي تعبر عن تطلعات العمال والفلاحين وتدافع عن حقوقهم. إن تأسيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس هو خطوة في هذا الاتجاه، ونسعى من خلاله إلى بناء منصة تمثل مصالح العمال والفلاحين بصدق، وتعمل على تعزيز دورهم في بناء الاقتصاد الوطني.
تعزيز الإنتاج الوطني
الإنتاج الوطني هو الحل الأمثل للخروج من أزمة الاعتماد على الاستيراد. إن تشجيع المشروعات الوطنية وتعزيز الصناعات المحلية يجب أن يكون الهدف الأول لكل السياسات الاقتصادية. يمكننا تحقيق ذلك من خلال توفير الدعم الحكومي للمشروعات الناشئة، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية، وتوفير التمويل اللازم للقطاعات الإنتاجية.
لا يجب أن يكون الإنتاج الوطني مجرد شعار نرفعه، بل واقع نعيشه. على كل مواطن أن يشعر بالمسؤولية تجاه وطنه، وأن يكون جزءاً من عملية الإنتاج، سواء كان عاملاً أو فلاحاً أو رجل أعمال. إن تحقيق الاكتفاء الذاتي يعتمد على تكاتف الجميع وتوحيد الجهود.
دور الحكومة والمجتمع في تحقيق التنمية الاقتصادية
إن الحكومة تقع على عاتقها مسؤولية كبرى في هذا المجال. فهي الجهة التي تستطيع وضع السياسات الاقتصادية المناسبة وتوجيه الموارد الوطنية نحو تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية. يجب على الحكومة أن تعمل على إزالة العقبات التي تواجه المستثمرين في القطاعات الإنتاجية، وأن توفر بيئة استثمارية جاذبة وآمنة.
ولكن لا يمكن للحكومة أن تعمل وحدها. فالمجتمع المدني له دور كبير في هذه العملية. على الجمعيات والنقابات والمنظمات الأهلية أن تتكاتف وتعمل معاً لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. لا بد من إشراك الشباب في هذه العملية، فهم القوة الدافعة لأي نهضة مستقبلية.
نحو مستقبل اقتصادي واعد
إن الرهان على الإنتاج الوطني هو الرهان الصحيح لتحقيق مستقبل اقتصادي مستدام. لا يمكننا الاعتماد على الخارج لتلبية احتياجاتنا الأساسية إلى الأبد. نحن بحاجة إلى تعزيز روح العمل والإنتاج في كل فرد من أفراد المجتمع، وجعل حب الوطن والانتماء له هو المحرك الأساسي لكل جهودنا.
إن الانتماء الوطني ليس مجرد شعور أو عاطفة، بل هو التزام ومسؤولية. علينا أن ندرك أن العمل والإنتاج هما السبيل لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، الذي بدونه لن نتمكن من بناء مستقبل قوي ومستدام. دعونا نبدأ اليوم بإعادة ترتيب حساباتنا، وتعزيز دور العمل والإنتاج في بناء الوطن.
ختاماً، فإن تحقيق النهضة الاقتصادية يتطلب تضافر الجهود على كافة المستويات. نحن بحاجة إلى سياسات حكومية تدعم الإنتاج المحلي، وبيئة عمل تضمن حقوق العمال والفلاحين، ومجتمع مدني يعمل على توعية المواطنين بأهمية الإنتاج الوطني. هذا هو الطريق الذي سيقودنا إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وبناء مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس