بقلم: محمد عبدالمجيد هندي،
في ظل مشهد عالمي تتفاقم فيه الصراعات وتتعاظم فيه الأطماع، نجد منطقتنا العربية والإسلامية ميداناً رئيسياً لهذا الصراع، حيث تتهاوى السياسات وتتبدل المصالح بما يخدم القوى الكبرى ويزيد من تفاقم أزمات الشعوب. لقد أصبح الشرق الأوسط، بما يملكه من موارد وموقع استراتيجي، ساحة صراع تدار من قبل القوى العظمى التي تهدف إلى إضعاف دوله وإبقائها في حالة من التبعية.
إنَّ التحديات التي تواجه المنطقة ليست محض صدفة، بل هي نتيجة لسياسات مرسومة تخدم أجندات خارجية تتعارض مع مصالح شعوبنا. فالنزاعات القائمة، من اليمن إلى سوريا، ومن العراق إلى ليبيا، لا يمكن فصلها عن الأدوار التي تلعبها الولايات المتحدة وروسيا ودول غربية أخرى في المنطقة، حيث تتسابق هذه القوى لتحقيق نفوذها العسكري والاقتصادي، فيما يتحمل المواطن العربي تكلفة هذا الصراع دماً وتشريداً وفقراً.
أمريكا والهيمنة المستمرة
الولايات المتحدة، التي نصبت نفسها حارساً على مصالحها في المنطقة، تتبنى سياسة الهيمنة عبر الدعم العسكري والسياسي للكيان الصهيوني، الذي يمثل ذراعاً للاستعمار الغربي في المنطقة، ودورها في تعزيز الانقسام وزعزعة الاستقرار في الدول العربية ليس خفياً على أحد. فعندما ننظر إلى الدعم المطلق للكيان الإسرائيلي، وإلى التدخلات المتكررة في شؤون الدول العربية، يتجلى لنا الهدف الرئيسي؛ إبقاء المنطقة ضعيفة ومنقسمة، حيث لا تستطيع مواجهة هذا المد الجائر.
من ناحية أخرى، روسيا بدورها تستغل الاضطرابات لتوسيع نفوذها، كما نرى في سوريا حيث تدخلت عسكرياً لدعم مصالحها. ويظل الشرق الأوسط حلبة صراع بين القوى الكبرى، بينما يغيب الدور العربي الفاعل، مكتفياً بالبيانات دون استراتيجية موحدة أو موقف متماسك.
مستقبل التحالفات الدولية وخيارات العالم الإسلامي
إنَّ الاستمرار في انتظار الحلول من القوى الكبرى التي تتصارع على أرضنا لن يقود إلا إلى مزيد من التبعية والانقسام. المطلوب الآن هو اتحاد حقيقي بين الدول الإسلامية والعربية، لتأسيس قطب عربي إسلامي يستطيع أن يعبر عن إرادته ويدافع عن مصالحه دون الحاجة إلى مظلة الحماية الغربية.
هذا الاتحاد ليس مجرد طموح، بل هو ضرورة تفرضها الظروف الراهنة. فقط من خلال تحالف إسلامي عربي حقيقي، قائم على المصالح المشتركة والوعي بالتحديات، يمكن لنا أن نكسر دائرة التبعية ونؤسس لمرحلة جديدة من الاستقلال السياسي والاقتصادي.
القضية الفلسطينية وجوهر الصراع
وفي قلب هذا الصراع، تبقى القضية الفلسطينية هي الجرح الأكبر الذي يعكس حجم الظلم والاستعمار. لم تكن فلسطين قضية الشعب الفلسطيني وحده، بل كانت وما زالت قضية كل عربي ومسلم، وهي محور النضال ضد الهيمنة الغربية. إنَّ الدعم المطلق للكيان الصهيوني ليس فقط مظهراً للانحياز الأمريكي، بل هو دليل على السياسة الدولية التي تسعى لإبقاء شعوب المنطقة تحت وطأة الاحتلال والصراعات الدامية.
ومع الأسف، رغم المحاولات والمبادرات، لم يتمكن العالم العربي من استعادة حقوق الشعب الفلسطيني أو وضع حد لهذا الصراع المستمر. وعلى هذا النحو، فإن الحل يكمن في مواجهة واقعنا والتكاتف بين الدول العربية والإسلامية لدعم فلسطين ليس بالشعارات فقط، بل بجهود ملموسة على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
أهمية بناء صناعة عربية مستقلة وتحديات الاقتصاد
وبينما تشتعل هذه الصراعات على الساحة السياسية، يبقى الاقتصاد العربي رهيناً للمصالح الخارجية. لقد آن الأوان لندرك أنَّ الاعتماد على القوى الخارجية لتلبية احتياجاتنا هو أحد عوامل ضعفنا. المطلوب هو بناء اقتصاد قوي ومستقل، يرتكز على الصناعة الوطنية والزراعة وتطوير البنى التحتية بما يخدم الشعوب.
التحرر الاقتصادي هو شرط للتحرر السياسي، وإن لم نتمكن من بناء اقتصاد يعتمد على مواردنا وقدراتنا، سنبقى أسرى سياسات صندوق النقد الدولي وقرارات الدول الكبرى التي لا تخدم إلا مصالحها. يجب على الدول العربية أن تعمل على استثمار مواردها في مشاريع تحقق الاكتفاء الذاتي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز الأمن الغذائي.
حقوق الإنسان والحريات النقابية
إنَّ العمل النقابي المستقل أحد أهم أدوات النضال الاجتماعي، وهو صوت الشعب الذي يعبر عن طموحاته وحقوقه. فالتحديات الاقتصادية التي تواجهها شعوبنا تتطلب دوراً نشطاً من النقابات والمجالس الشعبية التي تحمي حقوق العمال والفلاحين. ومع الأسف، فإنَّ هناك محاولات لتسييس العمل النقابي، ما يهدد دوره الحقيقي في الدفاع عن حقوق الشعب.
لذا، علينا أن نواصل النضال من أجل حقوق العمال والفلاحين، وأن نحافظ على استقلالية العمل النقابي، لأنه إذا فقدت النقابات استقلالها، فستفقد الشعوب إحدى أهم أدوات الدفاع عن حقوقها.
الخاتمة: نحو استقلال عربي إسلامي حقيقي
إنَّ التحديات التي تواجه العالم اليوم، خاصةً في منطقتنا العربية والإسلامية، تتطلب وحدة حقيقية واستراتيجية مدروسة تتجاوز التحالفات التقليدية، وتؤسس لقطب عربي إسلامي مستقل وقوي. فقط من خلال هذه الوحدة، سنتمكن من مواجهة أطماع القوى الكبرى، وتحرير إرادتنا وصون كرامتنا.
علينا أن نتحرر من وهم الحماية الأجنبية، وندرك أنَّ الكرامة الحقيقية لا تأتي إلا من الاتحاد بيننا، والعمل الجاد من أجل بناء مستقبل يُملي إرادته ولا يُملى عليه، مستقبل تكون فيه شعوبنا حرة، واقفة على قدم المساواة بين أمم العالم.