بقلم : يوحنا عزمي
حملت إلينا الأخبار اليوم ان سفير إيران لدي الأمم المتحدة ألتقي مع ايلون ماسك ، رجل الأعمال الأمريكي والدولي الأشهر ، واحد الأقطاب البارزين والمؤثرين في إدارة الرئيس ترامب القادمة إلي البيت الأبيض في يناير المقبل ..
حيث حرص السفير الإيراني علي التعبير له ، كما تذكر التقارير الاعلامية ، عن استعداد طهران لنزع فتيل التوتر بينها وبين الولايات المتحدة من اجل التهدئة وتجنب الانزلاق إلي العنف والصدام وهو ما يمكن استنتاجه بطبيعة الحال ، ولا بد ان يكون السفير الإيراني لدي اهم محفل دبلوماسي دولي في العالم قد قال لماسك وهو الصديق المقرب كثيرا من الرئيس ترامب في هذا اللقاء ما قاله بتكليف من القيادة السياسية الإيرانية له في هذا التوقيت الدقيق والحرج بالنسبة لتطور مسار العلاقات بين الدولتين وبخطوة استباقية مدروسة ومخططة ، وألا لما كان اللقاء مع ايلون ماسك ، ولتم مع غيره من السياسيين او الإعلاميين الأمريكيين البارزين ، وما اكثرهم علي الساحة الأمريكية الآن.
وهذا اللقاء السياسي في مثل التوقيت الملفت الذي تم فيه ، وبكل ما قدمه السفير الإيراني فيه من وعود رسمية للمسئول الأمريكي الكبير ، يحمل رسالة سياسية بالغة الأهمية تبعث بها القيادة الإيرانية إلي الرئيس المنتخب ترامب قبل تسلمه رسميا لمهامه.
حتي تعطيه هامشا زمنيا اوسع للتفكير وربما لتغيير قراراته التي ينوي إعلانها بشأن إيران فور دخوله إلي البيت الأبيض.
وابرز ما تنطوي عليه هذه الرسالة الإيرانية الاستباقية المبكرة من اشارات ودلالات ، هي أنهم في إيران يسعون جادين إلي تجنب الدخول في اي صدام عنيف مع أمريكا يدركون تماما ما سوف يحمله إليهم هذا الصدام من كوارث واهوال بلا حدود حتي وان
لم يكن بالوسائل العسكرية التي أعلن ترامب أنه لن يذهب إليها خلال رئاسته لأنها ضد سياساته التي وعد بها الناخبين الأمريكيين واستقبلها العالم منه بتفاؤل كبير .. فأعين الإيرانيين ، وهذه حقيقة يجب ألا تغيب عنا ، كانت وسوف تبقي بأستمرار علي ما فعلته العقوبات الإقتصادية الأمريكية والأوروبية بالتبعية فيهم وفي ما يمكن ان يفضي إليه تغليظها من عواقب وخيمة سوف تدمر لهم حياتهم وتحكم من عزلتهم عن العالم .. وهذا هو شبح الكابوس الذي يخيم في أجواء طهران الآن .. وهو ما يحسبون له ألف حساب ويبحثون لهم عن مخرج منه يوفر عليهم هذا الدمار الإقتصادي الوشيك.
هذا ما يفعله الإيرانيون لأنفسهم بهذه الخطوات والمبادرات الاستباقية التي يهدفون منها إلي خفض التوتر وتقليص الأخطار والتهديدات التي يمكن ان تقلب لهم حياتهم او تعرض أمنهم لمخاطر قد تفوق قدرتهم علي احتمالها او التعامل معها. وبمقارنة ذلك بموقفهم من حروب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة
والآن ايضا في لبنان ، استمر كما بدأ ، وهو أنهم مع المقاومة المسلحة فيهما وانها سوف تدعمهما حتي النهاية ، ليس بالدخول في حرب ضد إسرائيل إلي جانبهما لتخفيف ضغطها عليهما او للتقليل من حجم هذا الدمار الهائل الذي اصابهما ويكاد يبيد كافة مظاهر الحياة الطبيعية في غزة بشكل خاص ، وانما بدعم حقهما في مقاومة الإحتلال بكل وسائل المقاومة المسلحة مهما ترتب عليها من نتائج وتداعيات .. او كان حجم الثمن الإنساني والعمراني المدفوع فيهما والذي بلغ في غزة مستوي قياسيا من البشاعة والبربرية التي لم يشهد العالم مثيل لها من قبل.
ما أردت ان اقوله هنا هو أنه عندما يتعلق الأمر بأمنهم وحياة شعبهم ، فأنه لا يصبح ثمة حرج في انتهاج مواقف تصالحية لينة ومهادنة ومرنة وهادئة حتي مع اعتي خصومهم واكثرهم عداء لهم وعندما تكون حدود التهديد والخطر بعيدة عنهم لا تمسهم ولا تؤثر مباشرة فيهم ، فلا بأس من ان تشتعل الحروب ، وان تظل كذلك مهما طال أمدها لتحرق كل ما تجده في طريقها ، ولو ان موقف إيران من كل تلك الازمات في المنطقة كان واحدا وفي اتساق تام مع المبدأ القائم علي التركيز علي الحلول السلمية التوافقية وتجنب العنف والحرب والمواجهات المسلحة ، لما كان كل هذا الدمار الشامل الذي عاشته المنطقة العربية مع تتار تل أبيب الجدد ..
ليتهم تركوا الفلسطينيين واللبنانيين يحزمون أمورهم وحدهم ويقررون لأنفسهم ما يقدرون علي تحمل عواقبه وتبعاته ويحددون طريقهم الذي يمكنهم ان يصلوا إلي أهدافهم من خلاله علي قدر
ما تساعد عليه ظروفهم وتتيحه امكاناتهم ، وهم من يقفون منذ البداية بامكاناتهم الذاتية المحدودة للغاية وحدهم في مواجهة طوفان جامح من القوة العسكرية الإسرائيلية المفرطة المدعومة بقوة الشيطان الأمريكي الأكبر ... فأين الإيرانيون من هذا كله وهم من يبحثون الآن عن قنوات إتصال مع الأمريكيين قد يكون الكثير منها سريا ومتكتما يعبرون لهم من خلالها عن رغبتهم في التهدئة والتفاهم وحل خلافاتهم معهم سلميا بعيداً عن العنف الصدام ؟
والخلاصة هي ان الإيرانيين يقولون في العلن ما يقومون بعكسه في الخفاء ولا يجدون في ذلك ما يحرجهم او يسئ إليهم وهذا
هو الواقع وليس فيه أدني تحامل عليهم او ظلم لهم او تشهير بهم فهذه كلها أمور غير واردة لنا علي بال .. وقد يكون هذا هو نهجهم في إدارتهم لسياساتهم مع العالم ، ومن أنه نوع من الدهاء السياسي لا اكثر ، وان هذه هي طبيعة السياسة الدولية التي تحكمها حسابات المصالح اولا وقبل كل شيئ.