محمود سعيد برغش
كان الليل قد أسدل ستاره، والهدوء يلف المكان، إلا من همسات الريح التي تحمل ذكريات الماضي. جلس كريم وحيدًا في غرفته الصغيرة، التي بالكاد تكفي أسراره. سنوات من المعاناة تركت آثارها على ملامحه. عمله الشاق في المصنع نهارًا ودراسته ليلًا، كانا طريقًا مليئًا بالأشواك، لكنه لم يكن يومًا شغوفًا بالاستسلام.
في كل ليلة، كان يُمسك بكتابٍ ممزق الأطراف ويقرأ حتى يغلبه النوم، باحثًا عن أملٍ جديد يفتح له أبواب الحياة. كان حلمه الوحيد أن يُنهي دراسته ليصبح طبيبًا، ينقذ أرواح الناس من الألم الذي عاشه يومًا. لكن الحياة لم تكن يومًا سهلة معه؛ فقد حمل مسؤولية أسرته الصغيرة بعد رحيل والده المفاجئ.
مع مرور الأيام، بدأ النور يتسلل إلى حياته، بعد أن حصل على منحة دراسية، كانت بمثابة طوق نجاة. لم يكن كريم يبحث عن رفاهية، بل عن حياةٍ تستحق أن تُعاش.
مرت الأيام ثقيلة، وكريم يخوض معركة يومية بين متطلبات الدراسة والعمل. كان الوقت عدوه الأول، لكنه كان يملك عزيمة لا تلين. في المصنع، كانت يداه تئن من التعب، بينما في الجامعة كانت عيناه تلمعان بالطموح. كلما شعر باليأس، تذكر أمه التي تعمل بجهدٍ مضاعف لتوفر له ما يسد حاجته.
وفي يومٍ مشؤوم، تلقى كريم خبرًا صاعقًا؛ المصنع الذي يعمل فيه أغلق أبوابه فجأة. كان ذلك يعني أن مصدر رزقه الوحيد قد اختفى. جلس كريم في ركن غرفته، وكأن الدنيا بأسرها انهارت عليه. لكنه قرر أن هذه العقبة لن تكون نهايته. استدان بعض المال وبدأ في العمل بمشروع صغير: توصيل الطلبات في الحي.
ورغم قلة الدخل وكثرة الصعوبات، استطاع كريم أن يكمل عامه الدراسي الأخير. وفي يوم التخرج، صعد على المنصة بين تصفيق زملائه، ودموع الفرح تملأ عينيه. كانت أمه تجلس في الصف الأول، وهي تردد في سرها دعوات الشكر.
بعد سنوات من الكفاح، افتتح كريم عيادته الخاصة في الحي نفسه الذي عاش فيه معاناته. أصبح مثالًا يُحتذى به، ليس فقط لنجاحه، ولكن لأنه لم ينسَ أبدًا من هم مثله. خصص يومًا في الأسبوع لعلاج الفقراء بالمجان، وفاءً لتلك الليالي التي نام فيها جائعًا.
الخاتمة
كان كريم دائمًا يقول: "المعاناة ليست نهاية الطريق، بل بداية لصنع حلم أكبر".