بقلم القيادي العمالي المستقل: محمد عبدالمجيد هندي
مؤسس
ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس
إن ضعف التشريعات القانونية المتعلقة بالحقوق العمالية في مصر لا يعكس سوى غياب الإرادة السياسية لتحقيق العدالة الاجتماعية. قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الحالي يُعد أكبر مثال على فشل الحكومة في حماية الطبقة العاملة التي أفنت عمرها في خدمة الوطن. نحن أمام قانون ليس فقط ظالمًا، بل قاسيًا وغير إنساني، حيث يترك أصحاب المعاشات يواجهون واقعًا مريرًا يهدد حياتهم ومستقبل أسرهم.
العامل في مصر، أياً كان تخصصه، يعمل سنوات طويلة يتقاضى خلالها راتبًا بالكاد يكفي لسد احتياجات أسرته الأساسية. ومع ذلك، يتحمل عبء الاقتطاعات الشهرية من راتبه لصندوق التأمينات الاجتماعية على أمل أن يجد في نهاية مسيرته دخلًا يكفل له حياة كريمة. ولكن المفاجأة المؤلمة تأتي عند التقاعد، حين يُفاجأ أن معاشه يقل بشكل كبير، لدرجة لا تمكنه حتى من تغطية تكاليف المعيشة الأساسية مثل فواتير الكهرباء والمياه، فما بالك بالتزامات الحياة الأخرى.
إن هذا الوضع ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكم عقود من الإهمال وسوء التخطيط. الدولة، بموجب هذا القانون، تُجبر ملايين الموظفين والعمال على الدخول في مرحلة جديدة من الفقر والإذلال بعد سنوات من الخدمة والعمل الجاد. كيف يُعقل أن يُمنح العامل الذي قضى عمره في العمل معاشًا يساوي نصف أو ثلث راتبه؟ هل هذه هي العدالة الاجتماعية التي يتغنى بها المسؤولون؟
نحن هنا لا نطالب بمطلب ترفي أو برفاهية لا يمكن تحقيقها، بل نطالب بحماية الحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور والقانون. إن تعديل قانون التأمينات والمعاشات ليضمن حصول العامل على معاش يساوي كامل راتبه الذي كان يتقاضاه أثناء الخدمة ليس مجرد ضرورة، بل هو واجب على الدولة إذا كانت تحترم مواطنيها.
الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للأزمة
تجاهل معاناة أصحاب المعاشات يؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس فقط على الأفراد، ولكن على المجتمع ككل. الفقر الذي يعانيه أصحاب المعاشات ينعكس بشكل مباشر على أسرهم، ويدفع الكثيرين منهم إلى البحث عن أعمال إضافية في سن يفترض أن تكون مكرسة للراحة والعناية بالصحة. بل إن بعضهم لا يجد سوى التسول أو الاعتماد على مساعدات الجمعيات الخيرية لتأمين احتياجاته.
هذا الوضع يخلق حالة من التوتر الاجتماعي، حيث يشعر المواطن أنه مضطهد ومهمل، مما يضعف ثقته في الدولة ومؤسساتها. إن عدم معالجة هذه المشكلة سيؤدي حتمًا إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، حيث تزداد معدلات الفقر وتتفاقم الأزمات المعيشية، مما يهدد استقرار المجتمع بأسره.
المعاشات ليست منّة بل حق أصيل
من الضروري أن نذكر الدولة أن أموال التأمينات ليست هبة تقدمها الحكومة، بل هي مدخرات استُقطعت من رواتب العاملين على مدار سنوات طويلة. هذه الأموال هي ملكية خاصة للموظفين والعمال، ويجب أن تُدار بشفافية وعدالة لضمان استردادها بشكل كامل عند التقاعد.
الحكومة مطالبة بمراجعة نظام إدارة صناديق التأمينات الاجتماعية، وضمان أن تكون هذه الأموال موجهة لصالح أصحابها، لا أن تُستخدم في سد عجز الموازنة العامة أو في مشروعات لا تخدم الهدف الأساسي الذي جُمعت من أجله.
الدعوة إلى إصلاح شامل
إننا ندعو الدولة إلى التحرك الفوري لتعديل قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات بحيث يضمن التالي:
حصول كل موظف أو عامل على معاش يساوي كامل راتبه الذي كان يتقاضاه أثناء الخدمة.
ربط المعاشات بالتضخم السنوي لضمان قدرتها على تغطية تكاليف المعيشة المتزايدة.
مراجعة أوجه إدارة صناديق التأمينات لضمان الشفافية والكفاءة، وحماية أموال المؤمن عليهم من أي سوء إدارة أو فساد.
تقديم دعم إضافي لأصحاب المعاشات من الفئات الأكثر احتياجًا لضمان تغطية احتياجاتهم الأساسية.
رسالة إلى الحكومة
إذا كانت الحكومة جادة في تحقيق العدالة الاجتماعية، فعليها أن تبدأ بإصلاح هذا القانون الظالم. أصحاب المعاشات هم العمود الفقري للمجتمع، وقد عملوا طوال حياتهم من أجل بناء هذا الوطن. لا يجوز أن يكون جزاؤهم الإهمال والتهميش في سنوات حياتهم الأخيرة.
إن الاستمرار في تجاهل هذه القضية يعني أن الدولة تُصر على ترك شريحة واسعة من مواطنيها تواجه الفقر والعوز. هذا ليس فقط ظلمًا بل هو خيانة لحقوق هؤلاء المواطنين الذين دفعوا ثمنًا باهظًا من أجل بناء وطنهم.
نحن هنا لن نصمت عن هذا الظلم، وسنظل نطالب بكل قوة ووضوح بحقوق أصحاب المعاشات. العدالة الاجتماعية ليست خيارًا بل هي واجب، وأي حكومة تتقاعس عن تحقيقها تخسر شرعيتها أمام شعبها.
لن نرضى إلا بقانون عادل يحمي حقوق العمال والمتقاعدين، ويضمن لهم حياة كريمة تليق بإنسانيتهم وكرامتهم. وليعلم الجميع أن صبر الشعب ليس بلا حدود، وأن الصوت الذي يطالب بالحق سيظل عاليًا، حتى يتحقق العدل وينتهي هذا الظلم الذي لا يمكن القبول به.