بقلم: القيادي العمالي المستقل محمد عبدالمجيد هندي، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس
مصر، تلك الأرض التي تحمل في طياتها عبق التاريخ وعظمة الحضارة، تواجه اليوم أزمات متلاحقة تهدد مكانتها واستقلالها. بلد يمتد عمره لآلاف السنين، كان على مر العصور رمزًا للقوة والازدهار، ولكنه اليوم يعاني من أزمات اقتصادية طاحنة جعلته في موضع المتلقي للمساعدات والخاضع لشروط القروض الخارجية. هذه الحقيقة المؤلمة تدفعنا جميعًا للتساؤل: كيف وصلت مصر إلى هذا الحال؟
إن الخلل في السياسات المتبعة على مدار عقود هو السبب الرئيسي فيما نواجهه اليوم. سياسات اقتصادية اتسمت بالتسرع وعدم التخطيط، تركزت على الاقتراض دون وضع خطة حقيقية للسداد، وعلى التوسع في الاستيراد بدلًا من دعم الإنتاج المحلي. النتيجة كانت دولة تعيش على المساعدات والقروض، ودولة أصبحت قراراتها الاقتصادية مرهونة بشروط مؤسسات خارجية مثل صندوق النقد الدولي.
إن الاعتماد على صندوق النقد الدولي، رغم ما يقدمه من حلول مؤقتة، يشكل خطرًا داهمًا على الأمن القومي المصري. هذا الاعتماد يعني أن اقتصادنا لم يعد ملكًا لنا وحدنا، وأن قراراتنا أصبحت تخضع لإملاءات الخارج. الشروط التي يفرضها الصندوق دائمًا ما تستهدف تقليص الإنفاق الحكومي، وتقليل الدعم، ورفع الضرائب، مما يزيد من معاناة المواطنين البسطاء. هذه السياسات تزيد الفجوة بين الطبقات وتضعف النسيج الاجتماعي، وهو أمر لا يمكن تجاهله إذا كنا نريد الحفاظ على وحدة وقوة الوطن.
لذا، أصبح من الضروري الآن، وليس غدًا، التخلص من هذه الشروط المجحفة التي تكبل إرادتنا. يجب أن تتوقف مصر عن اللجوء إلى التدوين المستمر في دفاتر الديون، وأن تبدأ في بناء اقتصاد مستقل يقوم على الإنتاج وليس الاقتراض. هذا التحدي يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وقرارات جريئة تعيد صياغة أولوياتنا الاقتصادية.
مصر بحاجة إلى الاستثمار في الصناعة والزراعة، إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإلى التركيز على بناء بنية تحتية قوية تخدم الإنتاج المحلي. مصر بحاجة إلى قيادة تدرك أن الحلول الجذرية تبدأ من الداخل، وأن الاعتماد على الخارج لن يجلب سوى المزيد من التبعية.
علينا أن ندرك أن التخلص من شروط صندوق النقد الدولي ليس مجرد خطوة اقتصادية، بل هو قرار سيادي يحفظ كرامة الوطن ويؤمن مستقبله. علينا أن نواجه الحقيقة بشجاعة، وأن نعمل جميعًا، حكومة وشعبًا، على وضع خطة وطنية شاملة للخروج من دائرة الديون وبناء اقتصاد قوي ومستدام.
مصر ليست بلدًا فقيرًا، ولكنها أُديرت بطرق جعلتها تبدو كذلك. لدينا ثروات بشرية وطبيعية هائلة، ولدينا موقع استراتيجي لا مثيل له. ما ينقصنا هو رؤية واضحة وإرادة صلبة. لننهض معًا، ولنضع أيدينا في أيدي بعض، ونعيد لمصر مكانتها التي تستحقها. هذا الوطن أمانة في أعناقنا، ولن نسمح بأن يبقى أسيرًا لشروط الخارج أو قيود الديون.
فلنبدأ الآن قبل فوات الأوان، لأن مستقبل مصر يجب أن يُصنع بأيدينا، لا أن يُقرر من الخارج. هذا هو التحدي الأكبر، وهذا هو الطريق الوحيد نحو وطن قوي لا ينكسر.