بقلم: القيادي العمالي المستقل محمد عبدالمجيد هندي
مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس
في أروقة العالم العربي، حيث تتكدس الثروات وتنتشر مظاهر البذخ، يعيش أكثر من ثلاثمئة مليون إنسان تحت خط الفقر، محرومين من أبسط مقومات الحياة الكريمة. هؤلاء لا يسكنون فقط على هامش المجتمع، بل يعيشون على هامش الإنسانية، في ظروف قاسية تحطم أجسادهم وتغتال أرواحهم، وتُثقل قلوبهم بحزن عميق ومعاناة لا تنقطع.
الفقر في بلادنا ليس مجرد عجز عن تأمين لقمة العيش، بل هو حياة كاملة من الذل والحرمان. ملايين الأسر تعيش في مساكن غير صالحة للاستخدام الآدمي؛ جدران متهالكة لا تقي من حر الصيف أو برد الشتاء، وأسقف بالكاد تصمد أمام الرياح والأمطار. أطفال يولدون في ظلال هذه المآسي، لا يرون من الحياة سوى الجوع والمرض، ينظرون إلى العالم بعينين فارغتين، كأنهما تسألان: لماذا نحن هنا؟
سوء التغذية: جريمة في حق الإنسانية
من بين هذه الملايين، نجد أطفالًا تُظهر أجسادهم النحيلة آثار سوء التغذية المزمن. بطون منتفخة من فرط الجوع، وجوه شاحبة تكسوها ملامح البؤس. أجساد صغيرة تقاوم الأمراض بلا مناعة، في ظل غياب الرعاية الصحية والغذاء المتوازن. هؤلاء الأطفال لا يعرفون طعم الطفولة، فلا ألعاب ولا مدارس، بل حياة أشبه بصراع يومي للبقاء.
وفي أروقة المستشفيات التي بالكاد تؤدي دورها، مشاهد مأساوية: أمهات يبكين بجانب أسِرَّة أطفالهم الذين ينهشهم المرض، وآباء عاجزون أمام أوجاع فلذات أكبادهم، لا يملكون إلا الدموع والدعاء. مشاهد تقطع القلوب وتترك جروحًا لا تندمل في ضمير كل من يشاهدها.
معاناة بلا انقطاع
ليس الفقر مجرد حرمان مادي، بل هو حالة من القهر المستمر. تخيلوا حياةً يعيش فيها الإنسان دون أدنى شعور بالأمان. كل يوم يُصبح الفقراء والمهمشون أمام معركة جديدة للبقاء، معركة مع الجوع، معركة مع المرض، معركة مع البرد، معركة مع الذل.
رجال يخرجون صباحًا يبحثون عن عمل يسد رمق أسرهم، ولا يجدون سوى الأبواب الموصدة. نساء يكدحن طوال اليوم لتأمين لقمة عيش بالكاد تكفي أطفالهن، بينما أجسادهن تئن من التعب والإهمال. شباب يحلمون بالخروج من دائرة الفقر، لكنهم يجدون أنفسهم محاصرين بواقع لا يرحم، بلا تعليم جيد أو فرص عمل حقيقية.
صرخة من أجل العدالة الاجتماعية
هذه المأساة الإنسانية التي تطحن الفقراء والمهمشين في العالم العربي ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة سياسات فاشلة وعجز في تحمل المسؤولية. الحكومات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان تتحمل جزءًا كبيرًا من هذا العبء، فهي التي أخفقت في وضع خطط حقيقية للتنمية المستدامة، وتجاهلت حاجة الملايين إلى مأوى آمن، وغذاء صحي، ورعاية طبية تليق بكرامة الإنسان.
إننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى صحوة جماعية. لا بد من تبني سياسات تضع الإنسان في قلب الأولويات. علينا أن نوفر السكن الصحي والآمن لكل أسرة، وأن نؤمن الحد الأدنى من الدخل لكل مواطن، وأن نكافح سوء التغذية بكل قوة، خاصة بين الأطفال الذين يمثلون مستقبل هذه الأمة.
غياب الرعاية الصحية: يعاني الملايين من غياب الرعاية الصحية الأساسية، مما يؤدي إلى تفشي أمراض خطيرة، خاصة بين الأطفال الذين يدفعون الثمن الأكبر لهذا الإهمال.
معاناة لا تنقطع
الفقر ليس مجرد حرمان مادي، بل هو حياة كاملة من الألم والمعاناة. تخيل أن تعيش أسرة كاملة في غرفة واحدة، بلا ماء نظيف، ولا غذاء يكفي أطفالها الجوعى. تخيل طفلًا يذهب للنوم كل ليلة على معدة خاوية، وأمًا تراقب فلذات أكبادها وهي عاجزة عن إطعامهم، وأبًا يعود كل يوم خائب الرجاء بعد بحث عقيم عن عمل.
واقع الفقر والتهميش في العالم العربي
إن ما يعانيه الفقراء والمهمشون في الدول العربية لا يتوقف عند حدود نقص الغذاء أو الدخل، بل يمتد ليشمل أبسط مقومات الحياة:
سوء التغذية: تشير التقارير إلى أن 50 مليون طفل عربي يعانون من سوء التغذية بدرجات متفاوتة، بينهم ملايين يعانون من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم ومستقبلهم.
السكن غير الآمن: يعيش 25% من سكان العالم العربي في مساكن غير صالحة، تفتقر إلى المياه النظيفة والكهرباء والخدمات الأساسية، مما يجعلهم عرضة للأمراض والأوبئة.
البطالة: ترتفع معدلات البطالة بين الفقراء لتصل إلى نسب تتراوح بين 20% و40% في بعض الدول العربية، مما يزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأسر الفقيرة.
غياب الرعاية الصحية: يعاني الملايين من غياب الرعاية الصحية الأساسية، مما يؤدي إلى تفشي أمراض خطيرة، خاصة بين الأطفال الذين يدفعون الثمن الأكبر لهذا الإهمال.
هؤلاء يعيشون معاناة يومية تتجسد في:
أطفال بأجساد نحيلة، تغزوها الأمراض بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية.
نساء يُثقلن بالأعباء، بين تربية الأطفال والعمل في ظروف قاسية لتأمين لقمة العيش.
رجال يقفون عاجزين أمام ضغوط الحياة، تقتلهم نظرات أطفالهم الجوعى.
هذا الواقع المرير يولد مشاعر الحزن واليأس، ويزيد من انتشار الإحباط والانكسار في المجتمعات العربية، ما يهدد استقرارها ومستقبلها.
الحلول المطلوبة
إن هذه الكارثة الإنسانية تتطلب تحركًا عاجلًا وشاملًا على كافة المستويات:
1. توفير الغذاء: إطلاق مبادرات محلية وإقليمية لضمان توفير الغذاء الصحي والمتوازن لكافة الأسر الفقيرة.
2. السكن الآمن: توفير مساكن صالحة لكل مواطن، مزودة بالخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي.
3. التعليم والصحة: تأمين فرص التعليم المجاني والرعاية الصحية المتكاملة، خاصة للأطفال، باعتبارهم مستقبل الأمة.
4. تمكين اقتصادي: خلق فرص عمل مستدامة ودعم المشاريع الصغيرة، لتوفير مصدر دخل ثابت للأسر الفقيرة.
5. التعاون الإقليمي: تعزيز التعاون بين الدول العربية والمنظمات الدولية، لتوفير الدعم المالي والفني اللازم لمكافحة الفقر والتهميش.
اليوم العربي لدعم الفقراء والمهمشين
ندعو إلى تخصيص يوم عربي لدعم الفقراء والمهمشين، ليكون منصة لتسليط الضوء على هذه القضايا، وجمع التبرعات، وحشد الجهود الحكومية والمجتمعية لإيجاد حلول جذرية ومستدامة. هذا اليوم ليس فقط مناسبة للوقوف مع الفقراء، بل هو فرصة لإعادة الاعتبار للعدالة الاجتماعية، وتجديد التزامنا الأخلاقي تجاه الفئات الأكثر احتياجًا.
إن الفقراء والمهمشين هم القلب النابض لأي مجتمع. دعمهم ليس مجرد مسؤولية أخلاقية، بل واجب وطني وإنساني. علينا أن نحول معاناتهم إلى أمل، ونثبت أن الإنسانية لا تزال حية في قلوبنا. فلنكن صوتهم وصدى معاناتهم، ولنثبت للعالم أن العدالة والكرامة يمكن أن تنتصر.
كل يوم نتأخر فيه عن التحرك، نفقد مزيدًا من الأرواح، ونعمق جراح أمتنا. فلنكن على قدر المسؤولية.
بقلم : قيادى عمالي مستقل محمد عبدالمجيد هندي مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين تحت التأسيس