بقلم: محمد عبدالمجيد هندي، قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين
مصر ليست كأي بلد؛ إنها مهد الحضارات، وملتقى الأديان، وكنانة الله في أرضه. بلد تجلى فيها رب العالمين على جبل طور سيناء، وشهدت عبر تاريخها أروع قصص البطولة الإنسانية. إنها الأرض التي حملت أنبياء، وعبرت شعوبًا، وكتبت صفحات من التاريخ لا يمكن نسيانها. ولكن اليوم، تقف مصر بين عظمة الماضي وتحديات الحاضر، في انتظار نهضة تليق بها وبمكانتها بين الأمم.
لو كنت حاكمًا لمصر، لجعلت العدل هو حجر الزاوية في كل قراراتي. فالعدل ليس مجرد شعار، بل هو السبيل الوحيد لإعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الشعب ومؤسساته. مصر التي علمت العالم معاني القانون والنظام تستحق أن يكون العدل هو القاعدة التي تُبنى عليها حياتها اليومية، سواء كان ذلك في توزيع الثروات، أو في إدارة الموارد، أو في تحقيق الكرامة الإنسانية للجميع دون استثناء.
المساواة هي الأخرى ليست مجرد كلمة تزين الدساتير، بل هي ركن أساسي لتحقيق وحدة الوطن. المساواة الحقيقية بين أبناء الشعب، بين الرجال والنساء، بين الفقراء والأغنياء، بين أهل الريف والمدن، هي التي تصنع أمة قادرة على مواجهة التحديات. عندما يشعر كل مصري أنه شريك في الوطن، لا مستغل أو مغلوب على أمره، تنطلق طاقات الأمة بأكملها لبناء مستقبل لا مكان فيه للظلم أو التهميش.
لو كنت حاكمًا لمصر، لوقفت بكل قوتي إلى جانب المظلومين في العالم. مصر ليست مجرد دولة تسعى لتحقيق مصالحها، بل هي قلب الأمة العربية والإسلامية، وحاملة لواء الإنسانية. كانت مصر دائمًا، وستظل، مصدر دعم للأشقاء في فلسطين وسوريا واليمن وغيرها من البلدان التي تعاني من ويلات الاحتلال والاستبداد. ولأننا نؤمن بأن العدل لا يتجزأ، فإن نصرة المظلومين تبدأ من الداخل، حيث يجب أن يحصل كل عامل وفلاح ومواطن بسيط على حقوقه كاملة دون نقصان.
مصر اليوم تمتلك كل المقومات التي تجعلها في مصاف الدول الكبرى. لدينا شعب يتميز بذكاء فطري وقدرة هائلة على الصمود والإبداع. لدينا موقع استراتيجي يجعلنا مركزًا عالميًا للتجارة والثقافة والسياسة. لدينا ثروات طبيعية تكفينا إن أحسنا استغلالها، ولدينا تاريخ طويل يعلمنا أن المصري قادر على تحقيق المستحيل إذا وجد القيادة التي تؤمن به وتثق في قدراته.
لكن ما الذي يعطل طاقات مصر؟
الجواب بسيط لكنه مؤلم: غياب الرؤية والبصيرة في إدارة شؤون الوطن. عندما يتحول الحكم إلى إدارة يومية للأزمات بدلًا من تخطيط استراتيجي للمستقبل، نخسر سنوات طويلة من إمكانياتنا. عندما يُدار الاقتصاد بعقلية التبعية والاقتراض بدلًا من الإنتاج والابتكار، تُستنزف ثرواتنا بلا عائد حقيقي.
إن تعطيل طاقات مصر ليس فقط عجزًا في القيادة، بل هو خيانة لتاريخها ومستقبلها. هذا البلد العظيم، الذي صمد في وجه الغزوات والاحتلالات، الذي علم العالم معنى الحضارة، يستحق أن يُدار بعقول تتحلى بالحكمة والشفافية والإيمان بالوطن.
لو كنت حاكمًا لمصر، لأطلقت ثورة صناعية وزراعية حقيقية تُعيد لمصر مكانتها كدولة مكتفية ذاتيًا، قادرة على التصدير لا الاستيراد. مصانعنا التي أُغلقت، وحقولنا التي تراجعت إنتاجيتها، يمكنها أن تعود إلى الحياة إذا ما أعدنا ترتيب أولوياتنا. فلا يعقل أن تستورد مصر ما يمكنها إنتاجه، ولا يعقل أن نعتمد على الآخرين لتلبية احتياجاتنا الأساسية.
لو كنت حاكمًا لمصر، لجعلت التعليم والصحة على رأس أولوياتي. فلا نهضة بدون عقول مستنيرة وأجساد سليمة. التعليم ليس مجرد حق، بل هو استثمار في مستقبل الأمة، والصحة ليست رفاهية، بل هي أساس لبناء مجتمع قوي.
لو كنت حاكمًا لمصر، لجعلت الثقافة والفن قوة ناعمة تعيد لمصر ريادتها. مصر التي كانت قبلة الفنانين والمبدعين يمكنها أن تكون منارة للثقافة الإنسانية من جديد إذا ما احتضنت مبدعيها ودعمتهم ليبدعوا في بيئة تحترم الفن وتقدره.
يا ليتني كنت حاكمًا لمصر، لحاربت الفساد بكل قوة، وواجهت المحسوبية بكل حزم. الفساد هو العدو الأول لأي تنمية، والمحسوبية تقتل الكفاءات وتدمر روح الابتكار. لا مكان لمن يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية على حساب الوطن، ولا مكان لمن يظن أن المنصب هو وسيلة للإثراء لا لخدمة الشعب.
مصر اليوم تقف عند مفترق طرق. إما أن نختار النهوض والعمل الجاد، أو نستمر في الدوران في حلقة مفرغة من الأزمات والتحديات. ولكنني على يقين أن مصر ستنهض، لأن شعبها أقوى من كل الظروف، ولأن هذا البلد العظيم يستحق أن يعود إلى مكانته الطبيعية كقائد للعالم بأسره.
يا ليتني كنت حاكمًا لمصر، لأريتهم كيف يمكن لهذا الوطن أن ينهض، وكيف يمكن لشعبه أن يبدع، وكيف يمكن لتاريخه أن يكون مصدر إلهام لمستقبل أعظم.