»يمكن القول إن زهير بن ابي سلمى هو بالفعل« خبير لشؤون الحياة »، حيث امتاز بحكمته العميقة و قدرته على توجيه نظرته إلى مسائل الحياة و المجتمع بشكل يعكس الواقع و الوعي الإجتماعي بشكل متوازن ، بينما إختلفت مكانة شعره عن شعر النابغة الذبياني في تركيزه على القيم الإجتماعية و المبادئ الإنسانية الشاملة ، وقد لعب هذا الدور الكبير في كسب عطف العرب و احترامهم.
إن عبارة« قيل مدح زهير فاكتسب عطف العرب و احترامهم ، فمدح النابغة فغض الشعر من شرقه» عبارة تحمل دلالة على تباين تأثير شعر زهير بن ابي سلمى و النابغة الذبياني في المجتمع العربي في عصر الجاهلية ، و تعكس كيف أن نوعية الشعر و موضوعاته ، يمكن أن تؤثر في استقبال الجمهور له ، و نجد في هذه العبارة نقدا و تقييما لمكانة الشاعرين بين العرب
1»في مدح زهير بن ابي سلمى » نجد الإستحسان و الإحترام ، إذ أنه كان من أبرز شعراء الجاهلية الذين داع صيتهم ، و تميز شعره بالحكمة و الإعتدال ، حيث كان يعبر عن مفاهيم السلم و التوافق بين القبائل ، فضلا عن وصفه للعادات و المبادئ الأخلاقية السائدة في مجتمعه ، كانت قصائده تحمل في طياتها دعوات للإصلاح ، مثلما فعل في قصيدته الشهيرة( أمسكت زهراء ) التي تدمح الوفاء بالعهد و تعزز قيم السلم الإجتماعي ، إذ سيتجلى موقف العرب منه ، لأن هذا النوع من الشعر كان محط احترام عميق بين العرب ، فهو يتناول مواضيع أخلاقية مهمة في عصر كان يطغى عليه الصراع بين القبائل ،و زهير اكتسب احترامهم لما كان يعبر عنه في شعره من قيم و عادات أصيلة تعزز اللحمة بين الناس و هو ما ساعد كذلك في جعله محبوبا و مؤثرا بين العرب.
2»في مدح النابغة الذبياني ، نجد الغض من تأثير الشعر، هو أيضا كان من أبرز الشعراء في الجاهلية ، إلا ان شعره كان يختلف عن شعر زهير بن ابي سلمى، في أسلوبه و موضوعاته ، فالنابغة اشتهر بمفرداته الرفيعة و بأسلوبه البلاغي المتقن، ولكنه لم يتسم بالحكمة و الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ، كما في شعر زهير بن ابي سلمى ، بينما كانت مدائحه تعبر في بعض الأحيان عن الفخر الشخصي و المفاخرة، و هي مواضيع قد لا تواكب متطلبات المجتمع الجاهلي من حيث تعزيز الوحدة و الإنسجام بين القبائل.
لذلك يمكن ان نرى « غض الشعر من شرقه » في هذه العبارة يشير بالموقف النقدي إلى أن شعر النابغة لم يكن له نفس التأثير الإيجابي و الواسع الذي كان لشعر زهير بن ابي سلمى، بل ربما كان أكثر عرضة للإنتقاد بسبب اهتمامه بالمفاخرة و المبالغة في مدح الأشخاص بدلا من التأثير في القيم الإجتماعية بشكل أوسع.
من أبرز ما مميز شعر زهير بن ابي سلمى ، أنه نجده يمتاز بعدة خصائص جعلت له مكانة مرموقة في الأدب العربي الجاهلي ، و بالخصوص منها الحكمة و الإعتدال و التوازن بين المديح و الهجاء، ثم اللغة الرفيعة و الأسلوب الأنيق ، بحيث استخدم لغة عربية سليمة و جميلة ، تميزت الأناقة في الأسلوب و الإتقان في التراكيب اللغوية ، من استعارات و تشبيهات ، والتي خدمت المعاني الأخلاقية و الفكرية ، التي كان يريد التعبير عنها ، ليأتي الإهتمام بالقيم الإجتماعية ويرسخه.
أبو سلمى
مصطفى حدادي.