بقلم : قيادي عمالي مستقل محمد عبدالم
جيد هندي مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين تحت التأسيس
العالم العربي يقف اليوم على أطلال أمل متآكل وأفق يمزقه التردد والخوف من اتخاذ القرار. نحن شعوب لا تزال رهينة بين مطرقة الحكومات الغارقة في مصالحها وسندان التدخلات الأجنبية التي لا تهدأ ولا تكل عن فرض هيمنتها واستنزاف ثرواتنا، عقود مرت والعرب يمتلكون الأرض ويفقدون السيادة، يملكون الثروات ويغرقون في الديون، لديهم العقول وينزفونها في المنافي والغربة، فماذا بقي لنا؟ عالم يتغير بسرعة الضوء، ومجتمع عربي يحبو في مكانه، نعيد اجترار أخطائنا ونصر على السير في نفس الدائرة المغلقة التي تعيد إنتاج الفشل
الأزمات التي تعصف بالعالم العربي ليست مجرد تحديات عابرة، بل هي نتاج طبيعي لعقود من غياب التخطيط والرؤية الاستراتيجية، أين نحن من العالم الذي يتقدم يومًا بعد يوم؟ نحن هنا نتجادل على أمور هامشية ونغرق في صراعات صغيرة، بينما تتحول دول أخرى بلا موارد إلى قوى اقتصادية كبرى، لماذا نحن دائمًا خارج المعادلة؟ لأننا اختزلنا الشعوب في أرقام وإحصائيات، واستبدلنا الطموح بالخوف، والتقدم بالركود
الاقتصاد الذي هو عصب الحياة بات رهينة سياسات تفتقر للمنطق، نعيش على المساعدات والقروض ونستهلك أكثر مما ننتج، ولا نسأل أنفسنا لماذا أصبحنا سوقًا مفتوحة للآخرين بينما لا نستطيع الاكتفاء الذاتي، أين المصانع؟ أين الزراعة؟ أين الاستثمار في العقول؟ حكومات تتفاخر بالمشاريع الضخمة ولكنها تتجاهل أن شعوبها تعاني الفقر والجوع، أين العدالة؟ أين حقوق الإنسان؟ كيف نعيش في دول غنية ولكن شعوبها تموت عطشًا وجوعًا؟
أما الحروب الجديدة، فهي ليست حروب دبابات وصواريخ، بل حروب عقول ومعلومات، حروب تستهدف وعي الشعوب قبل أجسادها، الإعلام المضلل هو أخطر أسلحتهم، والهدف هو جعل الشعوب أداة لتدمير نفسها، إضعاف الثقة، تشويه الهوية، وتفكيك الوحدة، أين نحن من هذه الحروب؟ لا زلنا نتعامل معها بعقلية الماضي، نتحدث عن مؤامرات ولكننا لا نواجهها بوعي ولا علم، الشباب العربي اليوم بين مطرقة الإحباط وسندان التغريب، يريدون لنا أن نفقد إيماننا بأنفسنا، أن نصبح عبيدًا لمن يتحكمون في المعلومة
والبيئة، هذه القنبلة الموقوتة التي تهدد الجميع، مياهنا تتناقص، أراضينا تتصحر، وحرائق الغابات تلتهم مستقبلنا، بينما نكتفي بالحديث عن الحلول دون أي تحرك جدي، كيف يمكن لدول تملك الشمس والرياح أن تستورد الطاقة؟ كيف يمكن لدول تملك الأنهار أن تعاني من العطش؟ نحن أمام تحدٍ وجودي، إما أن نتحد ونعمل معًا أو نغرق جميعًا في بحر من الكوارث
الشعوب العربية، رغم كل ما مرت به، لا تزال تملك القوة لتغيير مصيرها، لكن هذه القوة تحتاج إلى من يوجهها، من يؤمن بها، من يمنحها الأمل، لقد تعبنا من القيادات التي تنظر إلى الشعوب كأرقام، نحتاج إلى قيادات تفكر كيف تجعل من الإنسان العربي محورًا للتنمية والتقدم، الشعوب ليست عدوًا، بل هي الحل، ولكن متى تدرك الحكومات أن قوتها الحقيقية تكمن في شعوبها؟
وأما الوحدة العربية، التي طالما كانت حلمًا يراود أجيالًا، فقد أصبحت مجرد ذكرى، كلمات ترددها الخطب ولا تطبقها الأفعال، نحن شعوب تجمعنا اللغة والتاريخ والدين، لكننا نتفرق على أمور صغيرة، ما الذي يمنعنا من أن نصبح قوة واحدة؟ لماذا نسمح للأعداء بأن يزرعوا الفتن بيننا؟ الوحدة ليست حلمًا مستحيلًا، بل ضرورة، ولكنها تحتاج إلى إرادة صادقة ووعي بأن مصيرنا مشترك
العالم العربي اليوم أمام لحظة تاريخية، إما أن نستيقظ من غفلتنا ونواجه أنفسنا بحقيقة أخطائنا، أو نستمر في السير نحو الهاوية، نحن بحاجة إلى ثورة فكرية، إلى تغيير جذري في طريقة التفكير والعمل، المستقبل لن ينتظرنا، وإذا لم نتحرك الآن، فلن نجد غدًا نحلم به، الشعوب لن تغفر التقاعس، والتاريخ لن يرحم من باعوا الأمل واستسلموا للخوف، نحن بحاجة إلى قرار شجاع يعيد للإنسان العربي كرامته وثقته بنفسه، ويضعه على طريق البناء، فهل نحن مستعدون لهذا التحدي؟ أم سنظل نبحث عن أعذار ونحن نخسر كل يوم فرصة جديدة؟