بقلم : بــــسنت صلاح عباس
أُوصيك بأن ترى الناس بلَواحِظِ الحب
أُوصيك بأن ترى الناس بلَواحِظِ الحب، لا أن تسحقهم تحت مَطارِق الحُكم، كقاضٍ يعتلي مَنصَّة الأخلاق.
أنْ تُبِصر سُوءًا ظاهِرًا مِن أحدٍ، فتستبصر -بلطيف ظنّك، و بعيد فهمك- أنّ ثمة إرثًا مِن الخِزاية و الأسى وراء ما يضِجُّ أمامك مِن قسوةٍ و غضبٍ، و ركامًا من الشعور بضعفٍ لا يُطاق تحت ما يتراءى لك من تكبُّر و غطرسة.
أوصيك بأن تفهم أنَّ النفوس المُسيئة لا تعتنقُ الشرَّ دينًا، و لا ترتجي الأذى طموحًا أوَّليًّا، إنما سوءُها الظاهرُ ذاك عَرَضٌ لجُرحٍ غائرٍ، وصدىً لأذىً غابرٍ.
على أنَّ هذا لا يُبرِّئُها مِن خطيئتها، و لا يُعفيها مِن عقوبتها؛ إنّما يَقيك أنت مِن أنْ يَسُوقُك جوْرُ الأحكام أو يشوبُك كدرُ الكراهية.
أوصيك بأن تتأملَّ كيف أنَّ المآسي لا تنتقي الناسَ دومًا على شاكلة صنيعهم. ففواجعُ الشقاء قد تبطشُ بالأرواح البريئة، و مرافِعُ الرخاء قد تتسنَّى للمُفسدين في الأرض و الخَلْقِ. و لطالما اجتمعَ الصلاحُ و الخيبة، أو الفساد و الغَلَبَة. في عالمنا هذا، ليست المأساة حِكرًا على الأشرار.
و على هذا القياس، قِسْ النفوسَ حين تُسيء، و لا تُجرِّدها مِن براءاتها، و صلاحها، و إنسانيتها، و جدارتها بالحب. فسوءُ النفوس لا يُناقض بعض حُسنها المكنون.
تعلَّمْ فضيلةَ الصبر، و ألّا تختزل تاريخَ امرِئٍ، أو سِيرةَ روحٍ في مُختصَر لحظةٍ أساء فيها.
و لستَ بذلك تجودُ بلُطفك فحسب، بل إنك -فوق ذلك- تتحرَّى آفاقًا أرفعَ مِن النضج و الحكمة و النُبل.. إنك تلتمسُ حقيقةَ الأرواح، و تتعلّمُ كيف تُحِبّ.