"
محمود سعيدبرغش
في السنوات الأخيرة، انتشرت ظاهرة تقديم الهدايا، مثل الشوكولاتة والحلويات، من قبل الطلاب إلى معلميهم في بعض المدارس. هذه الظاهرة قد تبدو في ظاهرها تعبيرًا عن التقدير والاحترام، لكنها تحمل في طياتها مخاطر قد تؤثر سلبًا على العملية التربوية والعلاقة بين المعلم والطلاب. ورغم حسن نية هذه المبادرات، إلا أنه يجب النظر بعناية في تأثيراتها على البيئة التعليمية والطلاب.
1. التمييز بين الطلاب:
تقديم الهدايا يمكن أن يخلق شعورًا بالتمييز بين الطلاب. فهناك طلاب قادرون على تقديم الهدايا وآخرون غير قادرين بسبب ظروفهم الاقتصادية. هذا الاختلاف قد يؤدي إلى شعور الطلاب الذين لا يستطيعون تقديم هدايا بالإحراج أو بالنقص مقارنة بزملائهم، مما يخلق بيئة تنافسية غير صحية. في النهاية، قد يتشتت التركيز عن أهمية التعليم الفعلي ويشغل الطلاب عن تعلم مهارات الحياة الحقيقية التي يحتاجون إليها.
2. العلاقة المادية بين المعلم والطالب:
في النظام التعليمي المثالي، تقوم العلاقة بين المعلم والطلاب على أسس من الاحترام المتبادل والمهنية، وليس على تبادل الهدايا. عندما يتم التركيز على تقديم الهدايا كوسيلة للتعبير عن التقدير، قد تتغير طبيعة العلاقة بين الطالب والمعلم من علاقة تربوية قائمة على التعليم إلى علاقة مادية قائمة على التوقعات. قد يبدأ الطالب في التفكير في المعلم كمن يستحق الهدايا للتعامل معه بشكل جيد، مما يؤدي إلى تقليل قيمة العلاقة التعليمية في نظره.
3. تشويه قيم العدالة والمساواة:
إذا شعر الطلاب بأن المعلم يعامل من يقدم الهدايا بشكل مختلف عن الآخرين، حتى ولو كان ذلك بشكل غير مقصود، فإن ذلك يمكن أن يضعف الثقة في المعلم وقدرته على التعامل مع جميع الطلاب بشكل عادل. المساواة في التعامل مع الطلاب هي من أهم المبادئ التربوية التي يجب أن يحافظ عليها المعلم في جميع الأوقات، وتهنئة البعض بالهدايا قد تخلق انعدامًا للثقة بين الطلاب.
4. تهميش القيم التربوية الأساسية:
التركيز على تقديم الهدايا قد يضعف من التركيز على القيم التربوية الأساسية مثل الاجتهاد في العمل، والالتزام بالمواعيد، والعمل الجماعي. هذه القيم هي التي تبني شخصية الطالب وتساعده على النجاح في الحياة. بدلاً من أن يركز الطلاب على تحقيق التفوق الأكاديمي من خلال العمل الجاد، قد يُحفَّزون للاهتمام بالهدايا كوسيلة للتعبير عن الامتنان، مما يغير الأولويات ويضعف من الجو التربوي الذي يجب أن يسود في الصفوف الدراسية.
5. تشجيع ثقافة الاسترضاء:
بدلاً من أن يسعى الطلاب إلى التفوق الأكاديمي والاجتهاد في دراستهم، قد يشعر البعض بأن تقديم الهدايا هو الطريق للحصول على رضا المعلم. هذا التحول في المفاهيم قد يشجع الطلاب على محاولة كسب المعلم عن طريق الهدايا أو المظاهر المادية بدلاً من السعي لتحقيق النجاح العلمي والتفوق المعرفي. قد يؤدي هذا إلى ضعف الدافع الذاتي عند الطلاب وتغيير أهدافهم التعليمية.
6. زيادة الضغط على المعلمين:
المعلمون أنفسهم قد يعانون من ضغط نفسي بسبب هذه الظاهرة. قد يشعرون بالحرج أو الالتزام تجاه الطلاب وأولياء الأمور عند تلقيهم الهدايا، مما قد يؤثر على قدرتهم على الحفاظ على مهنية العلاقة بينهم وبين الطلاب. قد يعتقد المعلمون، حتى وإن كانوا لا يقصدون ذلك، أن الطلاب الذين يقدمون الهدايا سيحظون بمعاملة خاصة أو اهتمام أكبر، وهو ما يضر بإنصاف المعاملة بين الجميع.
التوصيات:
للحفاظ على نزاهة العملية التعليمية وضمان بيئة تعليمية صحية، هناك عدد من التوصيات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار:
1. التوعية بأهمية العلاقة التربوية:
يجب أن يتم توعية أولياء الأمور والطلاب بأهمية بناء علاقة تربوية قائمة على الاحترام المتبادل والتقدير غير المادي. لا ينبغي أن يكون تبادل الهدايا جزءًا من العملية التعليمية، بل يجب أن يتم التركيز على الاحترام والكفاءة.
2. وضع سياسات واضحة في المدارس:
من الضروري أن تضع المدارس سياسات واضحة تمنع تقديم الهدايا داخل المؤسسات التعليمية. يمكن تنظيم فعاليات تقديرية أخرى تُظهر الامتنان دون الحاجة إلى تبادل الهدايا المادية.
3. تعزيز ثقافة الشكر غير المادي:
يمكن تحفيز الطلاب على إظهار التقدير من خلال وسائل أخرى، مثل كتابة بطاقات شكر أو كلمات تقدير بسيطة. هذه الأساليب تعزز من ثقافة الامتنان دون الحاجة إلى أي تبادل مادي.
بينما قد تبدو ظاهرة تقديم الهدايا تعبيرًا عن التقدير، فإنها قد تحمل في طياتها عواقب سلبية على العملية التعليمية، منها إثارة التمييز بين الطلاب وتحويل العلاقة بين المعلم والطالب إلى علاقة مادية. للحفاظ على نزاهة العملية التعليمية، يجب أن يتم التركيز على القيم التربوية الأساسية مثل الاجتهاد والمساواة والاحترام المتبادل.