كتب عمرو الريدي -
…“
في عالم يموج بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، تتلون الجرائم وتتخذ أشكالًا لا تخطر على البال، مستغلة في ذلك أدوات من المفترض أن تكون ضمانًا للحق والعدالة. واحدة من أبرز تلك الظواهر هي استغلال القضاء كمنصة لارتكاب جرائم النصب، تلك الجريمة التي أُحكم تعريفها في المادة 336 من قانون العقوبات، حيث يُشترط فيها استعمال طرق احتيالية توقع الغير في وهم، يؤدي إلى تسليم أموالهم دون إدراك لحقيقة ما يحدث.
لكن ماذا لو كانت تلك الطرق الاحتيالية ليست مجرد أكاذيب مباشرة أو مستندات مزورة، بل سلسلة من الإجراءات القضائية الكيدية؟
ظاهرة تتجاوز التقليدي
مؤخرًا، تفشت ظاهرة افتعال المحاضر الكيدية والدعاوى القضائية الملفقة، حيث يستغل بعض ضعاف النفوس أدوات التقاضي، ليس لتحقيق العدالة، وإنما للحصول على مكاسب غير مستحقة. هؤلاء الأشخاص، مستغلين ثغرات النظام القضائي، يقدمون دعاوى مدعومة بأدلة مزيفة لإقناع القاضي بصحة ما يدّعون، ومن ثم يحصلون على أحكام تتيح لهم ابتزاز الخصوم أو انتزاع أموالهم بطرق قانونية في ظاهرها.
الجريمة التي تدور حول القاضي والمجني عليه
هنا يطرح سؤال قانوني وأخلاقي: هل تُعد هذه الأفعال جريمة نصب؟
بحسب المحامي عمرو الريدي، يُقسم الفقه القانوني إلى رأيين:
1. الرأي الأول يرى أن جريمة النصب لا تتحقق في هذه الحالة؛ لأن المجني عليه المباشر هو الخصم الذي أُجبر على تسليم المال بحكم القضاء، وليس القاضي. وفي رأيهم، النصب يستهدف مالًا بشكل مباشر، بينما هذه الحالة تستهدف تضليل القاضي، وهو أمر مختلف.
2. الرأي الثاني، والذي يراه الريدي الأقرب للصواب، يعتبر أن جريمة النصب قد تحققت، لأن المحتال قد لجأ إلى طرق احتيالية تضمنت تقديم مستندات مزورة وخداعًا ممنهجًا للقاضي، مما أدى إلى وقوع الأخير في الغلط وإصدار حكم أدى إلى التصرف المالي محل الجريمة.
عندما يتحول القانون إلى سلاح
الرأي الأخير يدعم فكرة أن القاضي في هذه الحالات هو المجني عليه الذي وقع في الغلط نتيجة الطرق الاحتيالية، وأن الحكم الصادر منه لا يُعفي المحتال من المسؤولية الجنائية. فالإيهام هنا ليس مجرد وسيلة، بل أصبح حقيقة تجبر الضحية – الخصم الآخر – على تنفيذ حكم غير عادل.
نهاية مفتوحة
يبقى السؤال الأهم: كيف يمكننا حماية القضاء من استغلال المحتالين؟ وهل تُعد التشريعات الحالية كافية للتصدي لهذه الظاهرة؟
حين يتحول القانون إلى سلاح في يد المحتالين، فإن العدالة تصبح في خطر. والمسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع، من قضاة ومحامين ومشرعين، لإغلاق أي ثغرة قد يستغلها ضعاف النفوس، لأن الحفاظ على قدسية القضاء هو السبيل الوحيد لضمان بقاء العدالة فوق الجميع.