بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 20 ديسمبر 2024
الحمد لله على نعمة الصيام والقيام، وأحمد الله واشكره، فإليه المرجع وإليه المآب، واشهد أن لا إله إلا هو، ولقد جعل الله النهار والليل آية لأولي الألباب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد اتقوا الله ربكم حق تقاته، واشكروه على ما أنعم عليكم من النعم، واعبدوا واحمدوا الله، واعرفوا قدر النعم التي أنعمها الله عليكم، واحمده على منه عليكم بمواسم الخيرات والتي تتكرر كل عام، واستغلوا الشهر وتوبوا لله توبة نصوحا، ولا تموتن إلا وأنتم مؤمنون ثم أما بعد إن ساعة الإحتضار لا يمكن لأحد أن يصف حقيقتها أو يصل إلى كنهها، لكن الكل يعلم أنها ساعة رهيبة ولحظة مذهلة، إنها ساعة الإنتقال والتحول من الدنيا إلى الآخرة، من الحياة إلى الموت، فهل هناك ساعة في الدنيا أرهب من هذه؟
وهل هناك ساعة في الدنيا أشد حرجا وأكثر شغلا منها؟ كلا، فما بالك بأناس في هذه الساعة وفي هذه اللحظة يتذاكرون العلم، ويقيدون الفوائد، ويحرصون على ذلك كلِّه، كأقوى ما يكونون صحّة، وكأشد ما يكونون نشاطا، نعم هذا مما حفظه لنا التاريخ وسطرته الكتب، فثبت وصح ليبقى عبرة وعظة للخالف، وحاديا يتعلل به الطالب، وسرّ قدرتهم على ذلك، شدة النهمة، وسمو الهمة، فقال العلامة ابن الجوزي لي همة في العلم ما إن مثلها، خُلقت من العلق العظيم إلى المنى وهي التي جنت النحول هي التي دعيت إلى نيل الكمال فلبت، وهذا مصداق خبر النبي صلى الله عليه وسلم " منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب دنيا " ولما سُئل الإمام أحمد إلى متى تطلب العلم؟ قال من المحبرة إلى المقبرة"
وهذا هو خبر أبي يوسف القاضي، حيث ذكر القرشي والمولى تقي الدين التميمي في ترجمة إبراهيم بن الجراح التميمي مولاهم وهو تلميذ أبي يوسف وآخر من روى عنه قال "أتيته أعوده، فوجدته مغمى عليه، فلما أفاق قال لي يا إبراهيم أيهما أفضل في رمي الجمار، أن يرميها الرجل راجلا أو راكبا؟ فقلت راكبا فقال أخطأت، فقلت ماشيا قال أخطأت، قلت قل فيها يرضى الله عنك، قال أما ما يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه راجلاً، وأما ما كان لا يوقف عنده، فالأفضل أن يرميه راكبا، ثم قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله تعالى، وهذا هو خبر أبي زرعة الرازي، فقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول مات أبو زرعة مطعونا مبطونا يعرق جبينه في النزع، فقلت لمحمد بن مسلم ما تحفظ في تلقين الموتى لا إله إلا الله؟
فقال محمد بن مسلم يروى عن معاذ بن جبل، فمن قبل أن يستتم رفع أبو زرعة رأسه وهو في النزع، فقال روى عبدالحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرّة، عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" فصار البيت ضجة ببكاء من حضر، وهذا هو خبر أبي حاتم الرازي، حيث قال ابنه عبدالرحمن في حضرت أبي رحمه الله وكان في النزع وأنا لا أعلم، فسألته عن عقبة بن عبدالغافر، يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، له صحبة؟ فقال برأسه لا، فلم أقنع منه، فقلت فهمت عني؟ له صحبة؟ قال هو تابعي، قلت أي ابن أبي حاتم فكان سيد عمله معرفة الحديث، وناقلة الأخبار، فكان في عمره يقتبس منه ذلك، فأراد الله أن يظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته.