ألبير كامو الفيلسوف والكاتب الفرنسي ، يعتبر أحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في تطوير الفلسفة الوجودية ، على الرغم من أنه كان يميل إلى التمييز بين فلسفته و بين التيارات الوجودية الأخرى، لا سيما تلك التي مثلها سارتر، و قد كان لاذعا بنقده للعلقلانية المفرطة، ففي عالم يزداد فيه الإعتماد على العقل و المنطق لحل المشكلات ، يرى كامو أن هذه المقاربة وحدها غير كافية لفهم عمق التجربة الإنسانية ، خاصة في مواجهة الغموض و العبثية التي تسود الوجود، لقد كان ألبير كامو يدعو إلى عدم الإعتماد الكلي على العقلانية المفرطة ، بل إلى تبني منظور أكثر شمولية بأخد في عين الاعتبار جوانبنا الإنسانية ، فالعقل برغم أهميته ليس سوى أداة واحدة من أدوات فهم العالم ، ولا يمكنه أن يوفر لنا جميع الإجابات التي نبحث عنها.
في أسطورة سيزيف ، هذه الأسطورة ،يصف كامو عبثية الإنسان، و هي واحدة من أبرز الأعمال التي استخدمها الفيلسوف الفرنسي لتجسيد فلسفته حول العبث في الحياة، ففي هذه الأسطورة اليونانية القديمة ، عوقب سيزيف بدحرجة صخرة ضخمة إلى قمة جبل، و عند اقترابها من القمة ، تتدحرج الصخرة مرة أخرى ، فيعيد سيزيف مهمته من جديد في دورة لا تنتهي،
فماذا تعني أسطورة سيزيف لألبير كامو؟ رأى كامو في أسطورة سيزيف تجسيدا واضحا للحالة الإنسانية في عالم خال من المعنى المطلق، فالعمل المتكرر و المجهد دون أي أمل في النجاح النهائي ، يعكس الشعور بالعبث الذي يواجهه الإنسان في حياته اليومية ومع ذلك، لم يعتبر كامو هذا العبث سببا في الإستسلام أو اليأس، بل رأى فيه تحديا للإنسان ، فالعبثية تجسد الأسطورة بوضوح مفهوم العبث عند كامو، أي إدراك الإنسان لعدم وجود المعنى المطلق للحياة، ثم التحدي على الرغم من العبثية ، فيدعو كامو الإنسان إلى التمرد على هذا العبث من خلال مواصلة النضال تماما كما يفعل سيزيف، لأنه يرى ( ألبير كامو) تلك السعادة في العبث لأنها سعادة لا تكمن في تحقيق هدف نهائي ،بل عملية النضال نفسها في الإستمتاع باللحظة الحاضرة و التمرد على اليأس ، فيضع على عاتق الفرد مسؤولية خلق معناه الخاص في عالم خال من المعنى المطلق ، تلك هي المسؤولية الفردية، لفهم الحالة الإنسانية فتساعد على التعامل مع الشعور بالعبث و اللا جدوى التي تدفع على مواجهة التحديات و الصعاب في الحياة حتى ولو بدت مستحيلة.
فأسطورة سيزيف تشجع على التمرد على اليأس و الإستسلام و على البحث عن معنى خاص بنا، فهي ليست مجرد قصة قديمة، بل هي دعوة إلى التفكير العميق في طبيعة الوجود الإنساني، إذ تذكرنا بأن الحياة قد تكون عبثية و لكن هذا لا يعني أننا يجب علينا أن نستسلم، ففي قلب العبث يمكننا أن نجد القوة و الجمال و الإلهام
أبو سلمى
مصطفى حدادي.