بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 12 يناير 2025
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه سبحانه وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، أما بعد إن حلق العلم وموائد العلماء هي من أرفع المجالس قدرا وأكثرها أجرا عند الباري جل وعلا، كيف لا؟ وهي طريق الأصفياء وزاد الأتقياء وميراث الأنبياء فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها فقال "يا أهل السوق ما أعجزكم؟" قالوا وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال "ذاك ميراث رسول الله يقسّم وأنتم ها هنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه" قالوا وأين هو؟ قال " في المسجد" فخرجوا سراعا إلى المسجد ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم "ما لكم؟" قالوا يا أبا هريرة فقد أتينا المسجد فدخلنا فلم نر فيه شيئا يقسّم.
فقال لهم أبو هريرة رضي الله عنه "أما رأيتم في المسجد أحدا؟" قالوا بلى رأينا قوما يصلون، وقوما يقرأون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة رضي الله عنه "ويحكم فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم" رواه الطبراني، وكيف لا ؟ أيها الأفاضل وهي مجالس من رياض الجنان، يحبها الرحمن ويحفظ أصحابها من كل سوء وخذلان ويجازيهم عنها بالأجر والإحسان، فعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل نفر ثلاثة فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجه في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدير ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
" ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما أحدهم فأوي إلي الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه " رواه البخاري ومسلم واللفظ له، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله "فلو لم يكن لطالب العلم إلا أن الله يؤويه إليه ولا يعرض عنه لكفى به فضلا" ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله " وفي الحديث فضل ملازمة حلق العلم، والذكر وجلوس العالم والمذكر في المسجد" وكيف لا ؟ وبأهلها يباهي العزيز العلام ملائكته الكرام، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أن معاوية رضي الله عنه خرج على حلقة في المسجد، فقال ما أجلسكم ؟ قالوا جلسنا نذكر الله، قال آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال أما إني لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا مني.
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علي حلقة من أصحابة فقال " ما أجلسكم"؟ قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنّ به علينا، قال" آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولنه أتاني جبريل فأخبرني إن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة " رواه مسلم، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله "فهؤلاء كانوا قد جلسوا يحمدون الله بذكر أوصافه وآلائه، ويثنون عليه بذلك ويذكرون حسن الإسلام، ويعترفون لله بالفضل العظيم إذ هداهم له، ومنّ عليهم برسوله المصطفي صلى الله عليه وسلم وهذا أشرف علم على الإطلاق، ولا يعني به إلا الراسخون في العلم، فإنه يتضمن معرفة الله تعالي وصفاته وأفعاله ودينه ورسوله، ومحبة ذلك وتعظيمه، والفرح به وأحرى بأصحاب هذا العلم أن يباهي الله بهم الملائكة.