محمود سعيدبرغش
وجع القلب ليس مجرد شعور بالفقد أو الفراق، بل هو حالة من الوحدة التي تخترق أعماق الروح حتى وأنت محاط بأحبائك. أن تكون قريبًا ممن تحب، لكنك تشعر أنك غريب، أن ترى وجوههم وتسمع أصواتهم دون أن تجد دفء قلوبهم، هو ألم يفوق الكلمات.
القسوة التي تأتي من أقرب الناس ليست دائمًا كلمات جارحة أو تصرفات قاسية، بل قد تكون في التجاهل، في البرود، أو حتى في صمتٍ طويل يجعلك تسأل نفسك: كيف تحول القرب إلى هذا البعد؟ وكيف يمكن لمن ظننتهم ملاذك أن يتركوك تتألم وحدك؟
هذا النوع من الألم يجعل الإنسان يعيد التفكير في كل شيء، في علاقاته، في قيمته لدى الآخرين، بل وحتى في نفسه. ومع ذلك، فإن مثل هذه اللحظات تحمل بداخلها فرصة خفية لإعادة اكتشاف الذات.
القوة في مواجهة الألم
قال الله تعالى: "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ" (النحل: 127).
تُعلّمنا هذه الآية أن الصبر هو مفتاح تجاوز المحن، وأن اللجوء إلى الله في لحظات الألم هو السبيل للراحة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" (رواه مسلم).
حين تجد نفسك معزولًا بين أحبائك، أو حين تشعر بأنك غريب بينهم، تذكّر أن الله دائمًا قريب. قال تعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (ق: 16). هذا القرب الإلهي يخفف عنك ثقل الوحدة، ويمنحك الطمأنينة وسط العزلة.
السعادة تبدأ من الداخل
السعادة ليست شيئًا يمنحك إياه الآخرون، بل هي حالة تنبع من داخلك. عندما تبدأ بتقدير نفسك، ستجد أن العالم من حولك يبدأ في الانفتاح عليك.
قال تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" (الطلاق: 2-3). بالتقوى والصبر، يمنحنا الله الفرج والرزق بطرق لا نتوقعها.
وفي الحديث الشريف: "لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" (رواه مسلم). قد يكون لطفك مع الآخرين، حتى في أشد لحظات أوجاعك، سببًا لتغيير حياتك وحياتهم.
ختامًا
تذكر أن الألم مؤقت، وأن ما تشعر به اليوم قد يكون الدافع نحو غدٍ أفضل. وجع القلب قد يبدو وكأنه نهاية، لكنه في الواقع بداية لقصة أجمل، مليئة بالسلام، الحب، والفرص الجديدة. قال الله تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح: 5-6).
لا تستسلم للعزلة، فالحياة أكبر وأجمل مما يبدو في لحظات الألم، ودائمًا هناك فرج بعد الضيق لمن أحسن الظن بربه واستمر في طريقه.