محمود سعيدبرغش
في عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت ظاهرتا التنمر والسخرية من أبرز المشكلات الاجتماعية التي تهدد استقرار الأفراد والمجتمعات. سواء في المدرسة، العمل، أو عبر الإنترنت، فإن تأثيرهما يمتد ليشمل الصحة النفسية والاجتماعية للضحايا، مما يضعنا أمام تحدٍ أخلاقي وإنساني يجب التصدي له بوعي وحزم.
---
التنمر: عدوان متعمد ومتكرر
التنمر هو سلوك عدواني يتميز بالتعمد والتكرار، حيث يسعى المتنمر إلى إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بضحاياه. ويظهر التنمر بأشكال متعددة، منها:
1. التنمر اللفظي:
يتمثل في الإهانات، الشتم، أو إطلاق ألقاب جارحة تهدف إلى التقليل من شأن الضحية.
2. التنمر الجسدي:
كالضرب، الدفع، أو التعدي على ممتلكات الآخرين.
3. التنمر الإلكتروني:
من أخطر أشكال التنمر في العصر الحديث، ويشمل نشر الشائعات، التهديد، أو إرسال رسائل مهينة عبر الإنترنت.
التنمر ليس مجرد تصرف عابر، بل يترك آثارًا طويلة الأمد على الضحية، من ضعف الثقة بالنفس إلى الاكتئاب ومشاكل الصحة النفسية.
في القرآن الكريم:
قال الله تعالى:
﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ (سورة الهمزة: 1)
الهمز واللمز يعبران عن السخرية والطعن بالآخرين، وهو تحذير صريح من هذا السلوك.
وقال سبحانه:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ (سورة الحجرات: 11)
تحريم السخرية بين الناس، واحترام كل فرد بغض النظر عن مظهره أو وضعه.
في السنة النبوية:
قال رسول الله ﷺ:
"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (رواه البخاري ومسلم)
تأكيد على خطورة الأذى اللفظي والجسدي.
وقال النبي ﷺ:
"لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" (رواه مسلم)
دعوة للتعامل مع الآخرين بود واحترام.
---
السخرية: تسلية على حساب الآخرين
السخرية، رغم أنها قد تبدو خفيفة الظل أحيانًا، إلا أنها قد تكون وسيلة جارحة للغاية، خاصة إذا استُخدمت للإهانة أو التحقير.
1. السخرية كوسيلة للتسلية:
قد تُستخدم لإضحاك الآخرين، لكنها قد تؤدي إلى إحراج شديد أو إيذاء مشاعر الضحية.
2. السخرية كتنمر غير مباشر:
عندما تستهدف شخصًا بعينه، تتحول السخرية إلى أداة خفية للتنمر.
في القرآن الكريم:
قال الله تعالى:
﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ (سورة الحجرات: 11)
تحذير من استخدام الألقاب المسيئة، التي غالبًا ما تُستخدم للسخرية من الآخرين.
في السنة النبوية:
قال النبي ﷺ:
"إن العبد ليتكلم بالكلمة، لا يرى بها بأسًا، يهوي بها في النار سبعين خريفًا" (رواه الترمذي)
تحذير شديد من الكلمة الجارحة التي قد تؤذي الآخرين دون أن يدرك المتحدث خطورتها.
---
أثر التنمر والسخرية على الضحايا:
كلا السلوكين يتركان آثارًا نفسية واجتماعية عميقة، منها:
1. الانعزال الاجتماعي:
يشعر الضحية بالخوف من التعامل مع الآخرين.
2. ضعف الثقة بالنفس:
نتيجة الشعور بالمهانة أو النقص.
3. مشاكل نفسية:
مثل القلق والاكتئاب، التي قد تؤثر على جودة حياة الضحية.
---
خاتمة:
التنمر والسخرية ليسا مجرد تصرفات عابرة، بل هما آفات اجتماعية تستوجب التصدي لها بتعزيز القيم الإسلامية والأخلاقية. ومن خلال التوعية، والتربية على الاحترام، والالتزام بتعاليم القرآن والسنة، يمكننا بناء مجتمع أكثر وعيًا وإنسانية.