بقلمي جمال القاضي
لاشك ان هناك علاقة وطيدة بين كل من العقل الواعي والعقل الباطن للإنسان، فكلاهما مرتبط بالآخر ارتباطاً لاينفك بينهما ابدا في الحالات العادية للإنسان طالما كان هذا الإنسان في صحوه .
لكن علينا ان نعلم أولا ماهو دور كل من العقل الواعي والعقل الباطن داخل مخ الانسان ؟
العقل الباطن هو الخزانة السرية التي تخزن فيها جميع المعلومات التي تمت الإستجابة لها من خلال المواقف التي قد تعرض لها الشخص في حياته من قبل، هذا العقل يحتوي ايضا على خزانات مختلفة، فمنها ماهو قريب وسطحي يمكن استدعاء مافيه بسهولة وفي اي وقت يرغب فيه الانسان، وهذا يمثل ذكريات حياته المختلفة. فتراه يسردها برغبته، قد يكون ذلك مع نفسه في الأماكن التي حدثت بها هذه المواقف، او مع شخص آخر حين يذهب بهما الحديث عن الماضي .
لكن هناك بالعقل الباطن ايضا خزانة مختلفة وهي خزانة عميقة لاسطحية، بعيدة عن التذكر السريع، هذه الخزانة هي المستقر الأخير والتي تسكن فيها كل الأسرار التي يخفيها عن كل من حوله، بل ويخفيها عن نفسه، فهي مؤلمة لنفسه حين يتذكرها، كما يخفي في هذه الخزانة ايضا تلك الصدمات المفاجئة أو الموجعة لقلبه والتي قد تعرض لها أثناء حياته لكن هذه قريبة نوعا ما عن تلك التي تكون مخزنة فيها أسراره.
لكن ماهو دور العقل الواعي بالعقل الباطن وكيف يمكن استخدام هذا الدور في معرفة اسرار الانسان ؟
يظل هناك بين كل من العقل الواعي والعقل الباطن ارتباطا دائما، فالعقل الواعي بداخل كل انسان هو بمثابة الحارس لكل الخزانات الداخلية للذاكرة، هو بمثابة برنامج الحماية الداخلية من الفيروسات الحياتية التي قد تعبث في محتوى ذكريات الانسان، يظل هذا العقل الواعي على افاقة تامة في وقت صحو الانسان، فكلاهما يظل قريبا من الآخر ، يسمح للشخص بالاستدعاء وقتما شاء، لكن السماح هنا فقط لما في خزانته السطحية دون الخزانة العميقة طالما كان الشخص في صحوه، اما حين نومه يتباعد العقل الباطن عن العقل الواعي تباعداً قليلاً نوعا ما، هذا التباعد القليل يعطي حرية للعقل الباطن بالسماح لما تم تخزينه والتعبير عن نفسه، فترى الشخص يرى ماتم تخزينه على انها كوابيسا مفزعة، وحين يشعر العقل الواعي بخطورة ذلك على الشخص نفسه فان تدخله يكون تدخلاً سريعاً، حتى لاينفرط كل ماتم تخزينه ليظهر على سطح الذكريات وبالتالي تتعرى الخزانة العميقة فيبوح الشخص بما يخفيه وقبل ان يحدث ذلك يصبح تدخل العقل الواعي امراً حتمياً كحارس للعقل الباطن وذلك بإفاقة الشخص من عمق نومه على فزع داخلي وكأن احد قد عرف ماتم تخزينه او انه راح يكرر ماحدث له منذ زمن بعيد في الواقع وتلك هي الكوابيس والأحلام المفزعة للإنسان والتي تفيقه من نومه .
كيف نستخدم العلاقة بين العقل الواعي والعقل الباطن في العلاج النفسي والبحث الجنائي ؟
ذكرنا من قبل ان العقل الواعي هو الحارس الشخصي للعقل الباطن ومافيه، فهو اشبه بجمجمة الانسان ومابداخلها من تركيبات لمحتوى المخ من غلاف صلب سطحي لمحتوى حساس داخلي، لكن كيف نصل لهذا المحتوى الداخلي ؟
حين يلزم تدخل جراحي للمحتوي الداخلي من المخ فإن على الطبيب أولا ازالة جزء من هذه القشرة الخارجية الصلبة وهي الجمجمة حتى يتعامل بحرية تامة مع مايكون بداخل المخ .
وهكذا تماما اشبه بمايحدث حين نريد التعامل مع العقل الباطن ومحتوياته، فهناك طريقة يتبعها المعالج النفسي لكي يصل الى المحتوى العميق والبعيد لمحتويات العقل الباطن وخزانته الداخلية والحديث معها ليعرف مابها ومايكون ومايؤثر بطريقة غير مباشرة على شخصية الانسان او حتى الدوافع الداخلية التي دفعت شخصاً ما لارتكاب جريمة لايتوقعها كل من حوله، وهذه الطريقة هي طريقة التنويم المغناطيسي، هذه الطريقة هي طريقة يتم فيها التباعد مابين العقل الواعي والعقل الباطن، فلايصبح هذا الأول عقبة امام الاخير في الإفصاح عن محتواه الداخلي فيتحدث المريض بحرية تامة دون عقبات، ليصل بعدها المعالج الى الأسباب التي كانت وراء مرضه وكان يخفيها المريض لتحكم ومنع عقله الواعي من السماح للدخول الى العقل الباطن .
وهناك طريقة آخرى لمعرفة كل اسرار الشخص لكن هي طريقة مصاحبة للعمليات الجرحية ولايمكن السماح باستخدامه في الحالات العادية حيث انه عند خضوع المريض للمخدر الذي يعطى له قبل إجراء العملية الجراحية يجعل عقله الواعي بعيدا جدا عن عقله الباطن فلاتحكم منه مطلقاً، وهنا ترى فضفضة من هذا العقل الباطن ليحكي عن محتواه العميق من الأسرار التي كم حارب عمراً طويلاً من أجل أن يخفيها عن نفسه وعن كل من حوله فتبدوا ظاهرة الآن تحت غياب تحكم العقل الواعي .
حقا انها مملكة يديرها المخ لكن بقدرة الخالق عز وجل فسبحان ربي العظيم انها لآيات جلية لمن كان له قلب سليم .