محمود سعيدبرغش
الحياة مليئة بالتنوع في مشاعر الناس وميولهم وطرائقهم في التعبير عن أنفسهم، وهذا التنوع ليس صدفة، بل هو جزء من حكمة الله في خلقه. القلوب البشرية تختلف في طبائعها، وكل قلب يمر بحالات وأحوال تتغير مع الزمان والمكان والمواقف. من هنا جاءت هذه الحكمة العميقة: "تنوعت أجناس الأعمال لتنوع أحوال القلوب"، لتفتح لنا بابًا من التأمل في العلاقة بين القلوب وأعمالها.
فطرة التنوع في العمل الصالح
الله سبحانه وتعالى يعلم أن البشر مختلفون، فكان الدين شاملًا ومتنوعًا بما يلبي حاجة كل نفس. من الناس من يجد راحته في الصلاة والقيام، ومنهم من يهوى الصدقة والإحسان، وآخرون يحبون العلم والتعلم. وهناك من يهوى التفكر في ملكوت الله. هذا التنوع في الأعمال الصالحة ليس إلا انعكاسًا لتنوع قلوب الناس وميولهم، فالعبادة ليست قالبًا واحدًا، بل هي ألوان عديدة كلها تؤدي إلى هدف واحد: مرضاة الله.
القلوب تختلف والأعمال تتنوع
أحوال القلوب تتغير بين الإقبال والإدبار، بين القوة والضعف. عندما تكون القلوب مقبلة على الله، تجدها تنشط في أعمال التعبد، مثل قيام الليل وقراءة القرآن. وعندما يعتريها ضعف، قد تجدها تميل إلى الأعمال التي لا تحتاج إلى جهد كبير لكنها عظيمة الأجر، كالتصدق أو التبسم في وجه الناس.
الحكمة هنا هي أن لكل حالة عملًا يناسبها. فالصدقة، على سبيل المثال، قد تكون أحيانًا أبلغ تأثيرًا في القلب من ألف ركعة، والتسبيح قد يملأ القلب بالسكينة في أوقات الضيق أكثر من أي عمل آخر.
كيف نطبق هذه الحكمة؟
1. افهم قلبك: حاول أن تراقب قلبك، تعرف على حاله، وما العمل الذي يناسبه ويجعله أقرب إلى الله.
2. جدد النية: اجعل نيتك دائمًا خالصة لله، مهما كان العمل صغيرًا في ظاهره.
3. تنوع الأعمال: لا تحصر نفسك في نوع واحد من العبادة، بل جرب أنواعًا مختلفة من الأعمال الصالحة.
4. تعامل مع ضعفك بحكمة: عندما تشعر أن قلبك بعيد، اختر أعمالًا بسيطة لكنها مؤثرة، مثل التسبيح أو الدعاء أو تقديم المساعدة للغير.
رسالة ختامية
ديننا دين رحمة وشمول، وكل عبادة فيه تناسب قلبًا من القلوب. فما عليك إلا أن تفتح قلبك لله، وتبحث عن العمل الذي يصلح حالك ويزيد قربك من ربك. تذكر دائمًا أن الله لا ينظر إلى حجم العمل، بل ينظر إلى صدق النية وحال القلب الذي يؤديه.
"إلى الله تتعدد الطرق، ولكن الغاية واحدة: أن يرضى عنك ربك، فأخلص في العمل وسر في طريقك بما يناسب قلبك."