العلاقات والهوية :سعي نحو شراكة تعكس الذات جريدة الراصد 24 -->
جريدة الراصد24 جريدة الراصد24

داخل المقال

جاري التحميل ...

العلاقات والهوية :سعي نحو شراكة تعكس الذات جريدة الراصد 24



الباحثة: د. آمال بوحرب

في عصر يعيش فيه الكثيرون حالة من الضياع والبحث عن الهوية، يعد الاستقرار أحد الركائز الأساسية التي تحقق للإنسان شعور الانتماء والارتباط وإن سعي الأفراد إلى بناء علاقات متينة ونافعة غالباً ما يرتبط بالقدرة على تشكيل هويتهم الذاتية والاجتماعية. حسب الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، فإن الهوية تتشكل من خلال الخيارات الفردية والقرارات التي يتخذها الشخص، مما يعني أن الاستقرار واختيار الشريك المثالي يمكن أن يكون جزءاً من هذه العملية المعقدة. في المقابل، يشير الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر إلى أن وجود الإنسان يتجلى من خلال العلاقات التي نكونها، والتي تلعب دوراً حاسماً في تحديد من نحن.

لتوضيح هذا المفهوم، يمكن الاستعانة بتجربة واقعية تعكس الصراع بين الهوية العاطفية والاجتماعية. تخيل امرأة تجد نفسها في علاقات متعددة تحاول من خلالها التقرب من مفهوم الشريك المثالي. في كل علاقة، تبذل مجهودًا كبيرًا لتغيير جوانب من نفسها لتكون أكثر تقبلاً في نظر شريكها. ومع مرور الزمن، تشعر هذه المرأة بالانفصام وتجد صعوبة في التعرف على ذاتها داخل هذه العلاقات المتعددة. قد ينقل هذا الانفصام إنسانًا إلى مرغبات خيالية بعيدًا عن الواقع، مما يخلق وتيرة من الإحباط والباحث عن الذات ولعلنا نعود إلى ما قالته نازك الملائكة "ومن سواهُ وزّعَ الجراحَ وابتسَمْ? هذه هذه أنا ليس من شكّ فلم لا أمسّها بيديّا ؟ لم لا أستطيع أن ألمس الذات ؟ وأمحو تحرّقي الأبديّا

رحلة البحث عن الحب  عن الاستقرار رحلة تجمع بين الموت والحياة والعلاقات بين الجنسين في تطور مستمر، الجميع يبحث  عن شراكة تعكس تطلعاتهم وآمالهم وفي خضمّ الحياة المعاصرة،  المحاطة بتحديات العلاقات والضغوط اليومية يسعى الرجل إلى "امرأة من الورق" تخفف عنه عناء الواقع، تبحث المرأة بدورها عن "رجل من نسيج الخيال"، يجسد القيم التي تحلم بها دون أن تكتشف خفيّات الحياة  الأمر الذي يخلق نوعاً من التباين في الآمال والتطلعات، حيث ينتهي كل طرف إلى التخلي عن التجارب الواقعية في سبيل الهروب إلى عالم مثالي، حيث الظروف والتنبيهات معدومة.

تتجسد هذه الشخصيات الخيالية في عالم الأدب والشعر باستمرار أو ربما هي من المواضيع الملهمة يقول   نزار قباني  "  أيتها الأنثى كوني كالصلاة لا يقرب منها إلا الطاهرون"  فكرت كثيرا قبل أن أختار هذه الكلمات إلا البحث عن الطهر  الذي لخص  فيها كل وجوده  أجبرني على ذلك لأنه يعكس الهدف السامي للبحث عن الشراكة في عالم تغلب عليه الصعوبات أما جبران خليل جبران، فيعبّر عن الحب بأسلوب يعكس عمق العلاقات، حيث يقول: "أحبك، ولكن ليس لي أن أحبك كما أحبك، بل كما انت لا تحبينني"، مما يسلط الضوء على القلق الذي يحيط بفكرة الحب المثالي وتقبل الآخر بكل عيوبه وأحيانا رؤيته 

بخيال الشاعر الذي يتجاوز الذات والواقع  بالغزل يقول في هذا السياق "الشاعر البابلي حامد خضير الشمري، "  أن الشعراء الكبار عشاق كبار، فلولا هذا العشق الجامح، والعاطفة المتوقدة، لما جاءت قصائدهم، الغزلية في الأقل، بهذا الدفق الآسر الذي يهذب النفوس ويسمو بها إلى مصاف الملائكة، واستشهد بالشاعر العظيم  الجواهري  فقال "لابد ان يكون أروع مثال إلى ما ذهبنا إليه. "وعلى لسان العشاق يقول �وتمشت مهتاجة.. يتمشى العجب�والحسن في الدماء غزيراً�نحو حمامها ترى من خلال الماء.. فيه�ما سيستثير الغرورا.! 

وبالمثل، يصف الشعراء الغربيون مثل ويسلون إيفرست في قصيدته "حبيبي" كيف أن هناك تصورًا مثاليًا للحب، مما قد يؤثر على التجارب الفردية. هذا التطلع إلى الكمال يخلق تصورات غير واقعية، مما يؤدي في الكثير من الحالات إلى الإحباط والشعور بالوحدة، إذ ينتهي الأفراد بانتظار شخصيات ربما لا وجود لها إلا في خيالهم. ومع مرور الوقت، يبدأ كل منهما في إدراك أن الهروب إلى الخيال لا يحل الأزمات الحقيقية  فقد تُشعر هالة الكمال تلك بالوحدة، وتبعث على عدم الرضا، حيث أن اللحظات الحقيقية، مع ما تحمله من صعوبات، هي التي تمنح الحياة معناها لذا، يبقى التحدي الحقيقي هو العثور على شريك يملك القدرة على مواجهة تحديات الحياة بمرونة، بما يشمل العيوب والأخطاء، في سعي دائم نحو بناء علاقة فريدة تعكس واقع الحب والشراكة.

تطرقت الفلسفة الحديثة، وخاصة في أعمال "مارتن هايدجر" وميشيل فوكو، إلى مفهوم الهوية والعلاقات الإنسانية في سياق العالم المعاصر. حيث وفّر هؤلاء الفلاسفة إطاراً لفهم كيف أن البحث عن الكمال في الشراكات والرغبة في الهروب إلى عوالم خيالية قد ينشأ عن قتامة الواقع وضغوطه. فحتى في ظل التقنيات المتقدمة والاتصالات التي تربطنا، نجد أن العلاقات الإنسانية تتجه نحو السطحية، مما يعزز الرغبة في العثور على "شخصيات مثالية" تملأ الفراغ العاطفي والجسدي. تتساءل الفلسفة الحديثة: هل يمكننا حقاً العثور على أمل متجدد في العلاقات الإنسانية دون مواجهة الظروف المعقدة التي تجلب النمو والتغيير الحقيقيين؟

يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: هل نبحث عن علاقات تعكس الفهم العميق والقبول، أم أننا نفضل العيش في عوالم خيالية مليئة بالأحلام التي تعجز الحياة الواقعية عن تحقيقها؟ 

هذا التساؤل يسلط الضوء على التحدي الدائم الذي يواجه جميع العلاقات الإنسانية في سعيها نحو التوازن بين الواقع والخيال والتي يؤدي بنا في حالات عديدة إلى طريق مختلف  وهي العزلة يقول ميخائيل نعيمة: " في علاقاتي مع الناس، حريص كلّ الحرص على عزلتي. فالعزلة حاجة في نفسي مثلما الخبز والماء والهواء حاجة في جسدي فلا بدّ لي من ساعات أعتزل فيها الناس ، لأهضم الساعات التي صرفتها في مخالطة الناس."

وربما يؤدي أيضا  هذا البحث إلى بناء علاقات دون مؤسسة فالثنائي  الشهير في مجال الفلسفة   "سارتر وسيمون دي بوفوار "، إذا قررا أن يعيشا الحب من دون مؤسسة، أي من دون زواج، بحرية متبادلة وبشرط الشفافية وهذا العقد كان يمثل أيضاً في حينه تحدياً صريحاً لـ"أخلاق البرجوازية". ولكن وإن ألهمت  هذه التجربة كثيرين من الأجيال اللاحقة

التعليقات



جريدة الراصد24

إتصل بنا

Translate

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

انضم الي عائلة جريدة الراصد24

إشترك ليصلك كل مواضيع جريدة الراصد24


إلى أعضاء

إنضم

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد24

2020