بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 3 يناير 2025
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وسبحانه أكبره تكبيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين، وخلفائه والتابعين له بإحسان له إلى يوم الدين أما بعد إن من النصائح الإسلامية هو ألا تعامل الناس بإستعلاء، فإن الناس يكرهون من يعاملهم باحتقار وإستعلاء مهما كان هذا الإنسان، وروى هارون بن عبد الله الجمال فقال جاءني أحمد بن حنبل بالليل فانظروا كيف يكون التصرف يريد أن يصحح خطأً، فدق علي الباب، فقلت من هذا ؟ فقال أنا أحمد، ولم يقل الشيخ أحمد، فبادرت وخرجت إليه فمساني ومسّيته، فقلت حاجة أبي عبد الله ؟ أي ما حاجتك ؟ قال شغلت اليوم قلبي، فقلت بماذا يا أبا عبد الله ؟ قال جُزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدّث الناس في الفيء أي الظل.
والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس، انظر كيف كانت النصيحة والذي يرويها ليس الإمام وإنما ذلكم الشخص المتأثر بالنصيحة، وكما عليك أن تحترم آراء الآخرين، ولا تقل لأحد أنت مخطئ، وحين تبدأ كلامك مع رجل بأن تقول له أنت مخطئ أو إسمع يا هذا سأثبت بطلان ما تقول، أو باللهجة العامية ما عندك سالفة، أتدري أنك في تلك اللحظة تعني أنك أيها الرجل تعوزك براعتي وينقصك ذكائي، قف أمامي ذليلا لكي أدلك على الطريق الذي بلغه ذهني المتوقد وحكمتي الأصيلة؟ وهذا هو المعنى بالضبط، فهل تقبل بأن يوجه إليك أحد مثل هذا القول ؟ كلا طبعا، إذن فلماذا توجهه إلى الآخرين ؟ فقيل أن اللورد شستر فيلد قال في رسالته إلى ولده "يابني كن أحكم الناس إذا إستطعت، ولكن لا تحاول أن تقول لهم ذلك"
فلماذا يسارع الواحد منا بنشر التأكيد والجزم وحتى في أمور غامضة، لمجرد الإدعاء بالعلم، أو مناكفة الغير، أفتظن أن قولك أنت مخطئ، سيوصلك إلى نتيجة مع من تحدثه بنفس القدر الذي يوصلك إليه قولك، قد أكون أنا مخطئا، فلنفتش عن الحقيقة، إن إقرارك بإحتمال أن قولك غير مصيب لا يضعف موقفك كما قد يخيل إليك، فالسامعون يتأثرون بك وبنزاهتك وحبك للإنصاف، أما من قابلته مباشرة بتخطئته فيصعب عليك إقناعه بالخطأ بعد ذلك فهذه طبيعة النفس البشرية فهي تتأثر إنعكاسا، فاحترم آراء الغير مهما كانت وصغرت، يحبك الناس ويتأثرون بشخصك وأكبر دليل على ذلك صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على جفاء الأعراب حين يخاطبوه، فيدخل الرجل منهم مغضبا ويخرج وأسارير الرضا على وجهه.
أما عن دور المؤسسات التربوية والمربين في العلاج من مشكلة التعلق بغير الله تعالي، هو التركيز في السنوات الأولى للعملية التربوية على معاني التعلق بالله وحده، والمعنى الحقيقي للحب في الله، وكذلك الحثّ على صبغ الجلسات الخاصة بين الأفراد بالأهداف القيمة، وأيضا مصارحة الأفراد الذين يقعون في هذه المشكلة وعدم الانتظار حتى يتفاقم الأمر، وإنتباه المربي لهذه المشكلة وتحذيره الدائم للفرد من خطورة التعلق بالأشخاص، وتكرار التقويم للأفراد حتى تتسنى معالجتهم قبل إستفحال الأمر، ومناقشة مثل هذه القضية في جلسة نقاش مفتوحة يشترك فيه جميع الأفراد، وتعليق الأفراد بالله وبمنهجه، وربط المتربين بقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم، والتركيز على جانب التربية الذاتية، وبث روح العمل لهذا الدين في أي مكان وزمان كان، وأن يتأمل الشباب الهدف الأسمى والمطلب الأعلى الذي من أجله خُلق له.