بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم النبيين محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إن مسائل التكفير من المسائل العظيمة التي زلت فيها أقدام وضلت فيها أفهام، وطاشت فيها أقلام فأصبح كثير ممن ينتسب إلى أهل العلم وهم منهم براء، لا يتورعون عن تكفير المخالف لأدنى شبهه سواء كانت على المستوى الفردي، أم الجماعي، وإن من واجب الوقت هو ردّ صيال الطرف الآخر سليل فكر الخوارج ووارث تعنتهم الفكري وضلالهم المنهجي وغلوهم في الدين الذين خرجوا على أهل الإسلام فكفروهم وإستحلوا دماءهم وأعراضهم ولم يعلموا أنهم بذلك قد حكموا على أنفسهم بأن صاروا شر الخلق والخليقة عياذا بالله تعالى.
وإنما ترد عاديات هؤلاء وأولئك ببراهين الوحي ومحكمات الشريعة، ولقد ضيع بعض قومنا الثوابت عند إزدحام الأحداث وكثرة مزالق الناس وكبر سقطاتهم ليست مبررا لغيرهم إذا سقط حيث يقول تعالي " بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره" ولا يصح في النهاية إلا الصحيح حيث يقول تعالي " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" والعاقل لا يبني قصرا ويهدم مصرا، وبعض هؤلاء متلون متقلب في الصباح يحرر ويقرر وفي الظهر يصور ويبرر وفي المغرب ينقض ويكرر، لا ضابط له ولا تأصيل، فتارة يشرّق وأخرى يغرّب، حتى مسألة سيادة الشريعة والحكم بما أنزل الله تعالي جدّ فيها عندهم نظر "ومن يضلل الله فماله من هاد" ناهيك عن التشبه بالكفار ومسائل الغناء والمعازف.
والاختلاط والحجاب وتبرير ذلك الغثاء بهزال أغثى "أفي الله شك" بل وحتى تهنئة الكفار على كفرهم وجدت لها بين هؤلاء داعيا ومجيزا، همّ بعضهم تتبع الشذوذات التي تطرب أشباه الفسّاق الباحثين عن أي تكأة أو مخرج من قيود الشريعة وحياض الأحكام، وظن ذلك المزيّف نفسه قد أتت بمسائل وحررت أحكاما لم يعلمها السلف أو قصرت عنها أفهامهم أو علموها فخافوا حتى صدع بها ديانة وأمانة، اللهم غفرا كأنما يقول ها أنذا فاعرفوني ثم ماذا ؟ حال بعضهم كمن بال في بئر زمزم، فلما سئل قال كي يعرفني الناس وصدق فقد عرفه الناس بشرّ عمله وخطيئة قلمه وسيشهدون عليه بين يدي الديان يوم الحساب حين تضمحل الزيوف ويبقى ما أُريد به وجه الله تعالي، وكان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال أبو العالية "كلمتان يسأل عنها الأولون والآخرون "ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين" والإسلام منصور بنا أو بغيرنا والسعيد من ركب تلك السفينة ورافق أولئك القوم والله تعالي حافظٌ دينه ومعلي كلمته ولو كره المشركون ولو زاغ الزائغون ودينه كامل لا يقبل التجزئة فقال تعالي "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين " ولمّا إشترط بعض الناس شروطا في بيعة الإسلام تناقض ثوابته ردّ رسول الله صلى اله عليه وسلم ذلك عليهم حتى يدخلوا في السلم كافة ولما قال عمر لأبي بكر " يا خليفة رسول الله تألّف الناس" قال له أبو بكر "يا ابن الخطاب أجبّار في الجاهلية، خوّار في الإسلام؟ رجوت نصرك فجئتني بخذلانك، علام أتألفهم، أعلى حديث مفترى؟ أم على شعر مفتعل؟" فإنها مآرب كانت في الحياة لأهلها عذابا فصارت في الممات عذابا.