بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد إن سوء الظن يحمل على التجسس والتحسس والغيبة والتحاسد والتباغض والتدابر ، ويقطع العلاقة بين المتآخين، وبسبب سوء الظن إن كان اعتقادا في أحوال الناس قد يخسر الإنسان الإنتفاع بمن ظنه ضارا، أو الإهتداء بمن ظنه ضالا، أو تحصيل العلم ممن ظنه جاهلا ونحو ذلك، ولذلك فإن على الإنسان أن يحذر من هذه الآفة الضارة بالدين والدنيا وأن يحرص على سلامة صدره على إخوانه.
ليعيش هانئ البال مرتاح النفس بعيدا عن منقصات الحياة، سالما من عناء البحث عن عورات المسلمين وتتبع عثراتهم، ولقد كان معروف الكرخي قاعدا يوم على دجلة ببغداد فمر به صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون فقال له أصحابه، أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على هذا الماء؟ ادعو عليهم، فرفع يديه إلى السماء وقال الهي وسيدي كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة، فقال له صاحبه أنما سألناك أن تدعو عليهم ولم نقل ادعوا لهم، فقال إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم هذا، وقال سرّي السقطي وكان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد منذ ثلاثين سنة وأنا في الإستغفار من قولي مرة الحمد لله، قيل له وكيف ذلك ؟ قال وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد وقال نجا حانوتك فقلت الحمد لله ، فأنا نادم من ذلك الوقت.
حيث أردت لنفسي خيرا من دون الناس، وروي عن السري بن مغلس السقطي أن لص دخل بيت مالك بن دينار فما وجد شيئا فجاء ليخرج فناداه مالك سلام عليكم، فقال وعليك السلام، قال ما حصل لكم شيء من الدنيا فترغب في شيء من الآخرة، قال نعم، قال توضأ من هذا المركن وصل ركعتين، ففعل ثم قال يا سيدي أجلس إلى الصبح، قال فلما خرج مالك إلى المسجد قال أصحابه من هذا معك قال جاء يسرقنا فسرقناه، وإن من الأسباب المعينة على حسن الظن هو إنزال النفس منزلة الخير حيث قال ابن القيم رحمه الله تعالي " وما رأيت أحدا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية وكان بعض أصحابه الأكابر يقول وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه وما رأيته يدعو على أحد منهم قط وكان يدعو لهم، وقال وجئت يوما مبشّرا له بموت أكبر أعداءه.
وأشدّهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى أهل بيته أي ذلك الخصم الذي مات فعزّاهم، وقال " أنا لكم مكانه ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه " فسّروا به ودعوا له، وعظّموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه" وكما أن من الأسباب المعينة على حسن الظن هو حمل الكلام على أحسن المحامل، فها هو الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي قوى لله ضعفك، قال الشافعي لو قوى ضعفي لقتلني، قال والله ما أردت إلا الخير، فقال الإمام أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير، فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.