بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله أعظم للمتقين العاملين أجورهم، وشرح بالهدى والخيرات صدورهم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفّق عباده للطاعات وأعان، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله خير من علم أحكام الدين وأبان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الهدى والإيمان، وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان، وسلم تسليما مزيد ثم أما بعد إن حسن الظن وعظم الرجاء أحسن ما تزوده المؤمن لقدومه على ربه، ونظيره فيقول تعالي " ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وهذا قاله قبل موته بثلاث وأفاد الحث على العمل الصالح المفضي إلى حسن الظن، والتنبيه على تأميل العفو وتحقيق الرجاء في روح الله تعالى" وهذا الحديث أصل عظيم في حسن الرجاء في الله وجميل الظن به، وليس لنا وسيلة إليه إلا ذلك، قالوا والأفضل للمريض أن يكون رجاؤه أغلب.
وقال القرطبي وقد كانوا يستحبون تلقين المحتضر محاسن عمله ليحسن ظنه بربه، وإن الإسلام دين يدعو إلى حسن الظن بالناس والإبتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلا الله تعالى وحده، فسوء الظن يؤدي إلى الخصومات والعداوات وتقطع الصلات، وليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد، والمراد بالنهي عن ظن السوء كما قال الخطابي هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس فإن ذلك لا يملك، وقال النووي ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر فإن هذا لا يكلف به ومعناه احذروا إتباع الظن واحذروا سوء الظن بمن لا يساء الظن به من العدول، والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل.
فإن المسلم بناء على ذلك مأمور بأن يحسن الظن بإخوانه، وأن يحمل ما يصدر عنهم من قول أو فعل على محمل حسن ما لم يتحول الظن إلى يقين جازم، فالله عز وجل أمرنا بالتثبت فيما يصدر من الغير نحونا ونحو إخواننا، فكم أوقع سوء الظن السيئ من فراق بين المتحابين، وقطيعة بين المتواصلين، ولو لم يكن الظن على درجة عظيمة من الخطورة والأهمية في إضعاف روح الموالاة بين المؤمنين لما أكد الباري عز وجل على ذلك في الكتاب والسنة، وقد قسم الإمام الزمخشري الظن إلى واجب ومندوب وحرام ومباح، فالواجب هو حسن الظن بالله، والحرام هو سوء الظن به تعالى وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم "إياكم والظن " والجائز مثل قول أبي بكر لعائشة رضي الله عنهما إنما هو أخواك أو أختاك.
لما وقع في قلبه أن الذي في بطن امرأته اثنان، ومن ذلك سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث، فلا يحرم سوء الظن به، لأنه قد دل على نفسه، ومن ستر على نفسه لم يظن به إلا خير، ومن دخل في مداخل السوء اتهم، ومن هتك نفسه ظننا به السوء، ويقول ابن القيم رحمه الله وأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به، فإن من أساء الظن به ظن به خلاف كماله الأقدس، وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته، ولهذا توعد عليه بما توعد به غيره، وإن اليأس منه المحمود ومنه المذموم، فأما المحمود فاليأس مما في أيدي الناس، وأما المذموم فاليأس من رحمة الله تعالي، فاليأس مما في أيدي الناس شيمة الحر، وغاية عز العبد، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا " رواه البخاري.
أما اليأس من رحمة الله تعالي، فقال تعالى " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " وقال ابن عباس رضي الله عنهما "الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل" والإنسان كلما إزداد جهلا بربه إزداد سوء طن به جل وعلا، وكلما إزداد علما ويقينا بالله إزداد حسن ظنه بالله عز وجل.