كتبت الدكتورة فاطمة صبحي فهيم
يحتفي متحف أم كلثوم بمرور نصف قرن على رحيلها، بإقامة العديد من الإحتفالات المختلفة داخل حديقة متحفها بالمنيل.
حيث أن لا يزال صوتها يشكل جزءًا حيًا من وجدان العرب، يتردد صداه في الأزقة والمقاهي، ويمنح الأجيال المتعاقبة إحساسًا خالدًا بالجمال والعمق الفني.
إنها ليست مجرد مطربة، بل ظاهرة ثقافية صنعت هوية موسيقية عربية لا تُمحى وعبرت بجيلها من ضيق المحاكاة إلى أفق الابتكار والتجديد.
فهي أسطورة صنعتها الإرادة والصوت كما انها شقت طريقها من الإنشاد الديني إلى أن أصبحت أيقونة الغناء العربي، وفي زمن كانت الموسيقى فيه مقيدة بقوالب تقليدية، جاءت أم كلثوم لتكسر القيود بأسلوب غنائي جديد، ارتقى بالقصيدة العربية المغنّاة إلى آفاق لم تبلغها من قبل.
لم يكن صوتها فقط هو المعجزة، بل أيضًا ذكاؤها في اختيار الكلمات والألحان، وقدرتها على التعاون مع عمالقة الموسيقى والشعر مثل أحمد رامي، رياض السنباطي، محمد القصبجي، زكريا أحمد، وبالطبع بليغ حمدي الذي أضفى على صوتها نكهة العصر الحديث دون أن يفقده هيبته الكلاسيكية.
فكانت أم كلثوم أكثر من مجرد فنانة، كانت رمزًا وطنيًا جسّد روح الأمة العربية.
وحتى في أوقات الأزمات، تحولت إلى سفيرة للفن والقضية، وأقامت حفلات لدعم المجهود الحربي بعد نكسة 1967، وطافت الدول العربية لتجمع التبرعات لإعادة بناء الجيش المصري.
أما من الناحية الاجتماعية، فقدمت نموذجًا نادرًا للمرأة القوية المستقلة في مجتمع كان يضع حدودًا صارمة لدور المرأة.
بعد خمسين عامًا من رحيلها، لم يتوقف الجدل حول سر استمرار أم كلثوم في وجداننا، هل هو قوة الصوت؟ عمق الكلمات؟ عبقرية التلحين؟ ربما هو مزيج نادر من كل ذلك، لكنه أيضًا أكثر من مجرد معادلة موسيقية، إنه الشعور العميق بأن هذا الصوت يعبّر عن وجداننا، بكل ما فيه من شجن وفرح وأمل وانكسار.
صوتها ليس مجرد أغانٍ عاطفية، بل هو سجلّ حيّ لتاريخنا، مرايا تعكس مشاعرنا الجماعية، وأوتار تعزف على الحنين. ربما تغيّرت الأذواق الموسيقية اليوم، لكن حين تفتح الإذاعة صوتها في المساء، وحين نسمع "إنت عمري" أو "الأطلال"، ندرك أن الزمن قد تغير، لكن أم كلثوم لم تبرح مكانها في القلب.
أم كلثوم ... إلى الأبد
خمسون عامًا ليس زمنًا كافيًا ليطوي أسطورة مثل أم كلثوم، فمازالت أغانيها تعاد توزيعاتها، وصوتها يدخل في تجارب موسيقية إلكترونية، وتُدرّس أعمالها في معاهد الموسيقى، وكأنها لم تغب أبدًا.
إنها ليست مجرد تراث موسيقي، بل جزء من الهوية العربية، وكوكب لا يزال يشع، حتى في ظلمة النسيان.