الأخوّة بين التكريم الإلهي والقطيعة البشرية جريدة الراصد 24 -->
جريدة الراصد24 جريدة الراصد24

داخل المقال

جاري التحميل ...

الأخوّة بين التكريم الإلهي والقطيعة البشرية جريدة الراصد 24



محمود سعيدبرغش 


الحياة مليئة بالتحولات والتغيرات، وأشدها مرارة أن يتحول الأخ الشقيق من أقرب الناس إلى أبعدهم، وتصبح القلوب كالحجارة أو أشد قسوة، فلا تلين بعد محبة، ولا تذوب بعد عشرة. لكن القرآن الكريم يرشدنا إلى أن القلوب مهما قست، فهي قابلة للانكسار والتليين، كما قال تعالى:


> "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (البقرة: 74).


موسى وهارون: الأخوّة في أسمى معانيها


الأخ هو السند، ولذلك عندما أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون، طلب من ربه أن يعينه بأخيه هارون، فقال:


> "وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي" (طه: 29-32).


هذا الدعاء العظيم يدل على مكانة الأخ في حياة أخيه، فموسى لم يطلب أحداً من بني إسرائيل، بل طلب أخاه الذي يعرف إخلاصه وحبه، فكان خير معين له في مواجهة الظلم والطغيان.


وقالت السيدة عائشة - رضي الله عنها -:


> "سمعت أعرابياً يقول: أي أخ كان أنفع في الدنيا لأخيه؟ قالوا: لا ندري، قال: أنا والله أدري، موسى حين سأل النبوة لأخيه، فقال الجماعة: صدق والله".


ولذلك قال بعض السلف:


> "ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبياً".


تحول القلوب إلى حجر: قطيعة الأشقاء


في زمننا هذا، نرى كيف يبتكر الإخوة أسباباً للخصام، ويتحججون بأتفه الأمور لمقاطعة أشقائهم، وكأن القطيعة بطولة، والنسيان انتصار.


لكن النبي ﷺ حذّر من هذا السلوك فقال:


> "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" (متفق عليه).


بل ربط النبي ﷺ بين الصلح ودخول الجنة، فقال:


> "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا" (رواه مسلم).


القلب أقسى من الحجر؟


قال تعالى عن قلوب بعض الناس:


> "وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِهِمْ الْقَسْوَةَ" (المائدة: 13).


لكن الله بيّن أن حتى الحجارة تلين أحيانًا، أما القلوب القاسية فقد ترفض التراجع، رغم أن المصير واحد والمآل معلوم.


> قال الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يقسيها قساها، وإن شاء أن يلينها لينها، فاسأل الله أن يلين قلبك".


ماذا بعد القطيعة؟


يظن البعض أن القطيعة راحة، لكنها في الحقيقة نار في القلب، وكلما طال الزمن زاد الجفاء، حتى يصبح اللقاء مستحيلاً.


لذلك وجّه الإسلام لحل الخلافات سريعًا، وقال رسول الله ﷺ:


> "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" (رواه أبو داود).


فهل يستحق الأمر أن نخسر أخاً أو أختاً من أجل سوء تفاهم؟ وهل يستحق الغضب أن نهدم روابط الأخوة التي أكرمنا الله بها؟


كيف نصلح العلاقة؟


1. المبادرة بالصلح: لا تنتظر أن يأتي الآخر، بل خذ الخطوة الأولى، فقد قال النبي ﷺ: "خيرهما الذي يبدأ بالسلام".


2. إلغاء الأعذار الواهية: لا تجعل للشيطان بابًا بينك وبين أخيك.


3. التسامح والتغافل: الحياة قصيرة، فلا تجعل الكبرياء يمنعك من لمّ الشمل.


4. التذكير بأيام الود: تذكر الذكريات الجميلة بدلًا من التركيز على المشاكل.


5. الدعاء: اسأل الله أن يؤلف بين القلوب، فقد قال النبي ﷺ: "إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء" (رواه مسلم).


الخاتمة


الأخوة نعمة عظيمة، والتفريط فيها خطأ جسيم، فقد ضرب الله لنا أعظم مثال في موسى وهارون، فكانا يدًا بيد، وسندًا لبعضهما. فهل نعيد النظر في علاقتنا بإخوتنا قبل فوات الأوان؟

التعليقات

كل ما ينشر علي موقع الجريدة يقع علي مسؤولية كاتب المنشور وليس علي الجريدة اية مسؤولية في ذلك


جريدة الراصد24

إتصل بنا

Translate

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

انضم الي عائلة جريدة الراصد24

إشترك ليصلك كل مواضيع جريدة الراصد24


إلى أعضاء

إنضم

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد24

2020