بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصدته الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها، وضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار، لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين فهدى الله به من الضلالة وبصر به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة ولمّ به بعد الشتات وأمّن به بعد الخوف فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلم تسليما كثيرا.
ثم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن فضائل العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، وإن هذه العشر المباركات التي نبتدئها بعد أيام هي أفضل أيام السنة، والعمل الصالح فيها أيا كان نوعه أفضل منه في غيرها، وهي تقع في آخر شهر من السنة، فكأنها تعويض للمفرطين في عامهم ليتداركوا أنفسهم، ويعوضوا فيها ما فاتهم، ويدركوا بها منزلة من سبقهم، ومن فضل الله تعالى أنها كانت في آخر العام فإن العبد يتذكر بنهاية سنته نهاية عمره، ويندم على ما فرط في أيامه الخالية، ويعقد العزم على استثمار ما بقي من حياته، فإذا هو يستقبل هذه العشر المباركة ليفي بوعده لربه، ويصدق مع نفسه، وإن الله تعالى حين جعل هذه العشر المباركات أفضل أيام السنة، فإنه سبحانه اختصها بخصائص ليست في غيرها.
وجعلها زمنا لعبادات لا تكون في سواها، فهي زمن أداء ركن الإسلام الخامس، فأول أيام الحج فيها وهو يوم التروية، وفيها ركنه الأعظم، وهو الوقوف بعرفة، ويتوّج خاتمتها وهو يوم النحر بأكثر أعمال الحج، وهي الرمي، والنحر، والحلق، والحل من الإحرام، والطواف بالبيت، والسّعي بين الصفا والمروة، فإنها اختصت بهذه الأيام الثلاثة العظيمة، وفيها مناسك الحج وشعائره الكبيرة، ففي اليوم الثامن يبدأ الحجاج مناسكهم، وفي اليوم التاسع يقفون بعرفة، وهو من أعظم الأيام وأفضلها، ويعتق الله تعالى فيه من النار ما لا يعتق في غيره من سائر الأيام، وهو اليوم الذي نزلت فيه آية الإخبار بكمال الدين، وتمام النعمة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو واقف بعرفة، فكان الإخبار عن كمال دين الإسلام.
وتمام نعمة الله تعالى به علينا، ورضاه بالإسلام لنا دينا في اليوم التاسع من هذه العشر المباركة، فاختصت بهذا الفضل العظيم، واختصت العشر بيوم النحر، وهو العيد الأكبر، وهو أفضل من عيد الفطر لاختصاصه بكثير من الشعائر والعبادات، وفيه تراق الدماء تعظيما لله تعالى ولا تذبح الضحايا والهدايا قبله فكان التنسك بالدماء لله تعالى في خاتمة هذه العشر المباركة، وكان آخر يوم منها وهو اليوم العاشر عيدا كبيرا للمسلمين، يذكرون الله تعالى فيه على ما هداهم، ويشكرونه على ما أعطاهم، وإن لفريضة الحج فضائل كثيرة، منها أنه يهدم ما كان قبله كما في سؤال عمرو بن العاص رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبايعه، وأن من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه"
والرفث هي كلمة جامعة لما يريد الرجل من المرأة، والفسوق هى المعاصي، وقال ابن حجر رحمه الله وظاهر الحديث غفران الصغائر، والكبائر، والشبهات، وقال صلى الله عليه وسلم "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" .