الدكروري يكتب عن مفاخر هذا الدين جريدة الراصد 24 -->
جريدة الراصد 24 جريدة الراصد 24

داخل المقال

جاري التحميل ...

الدكروري يكتب عن مفاخر هذا الدين جريدة الراصد 24


بقلم / محمـــد الدكـــروري


اليوم : الاثنين الموافق 15 يوليو 2024


الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه سبحانه وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، أما بعد يروي أنه في معركة القادسية حين فتح المسلمون بلاد فارس، بعث القادة العسكريون بغنائم هذه البلاد إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما نثرت بين يديه ورأى ما فيها من غنائم نفيسة، التي كان من بينها سوار كسرى، أعجب بأمانة قادته وجيشه، فقال إن قوما أدّوا هذا لأمناء، وكان الإمام علي رضي الله عنه حاضرا، فقال يخاطب عمر رضي الله عنه "عففت فعفت الرعية، ولو رتعت لرتعوا" وإن من مفاخر هذا الدين في هذا الباب أن عدد الأيدي التي قطعت طوال الفترة التي طبقت فيها التعاليم الإسلامية، كانت ست أيدي. 


وإن الإسلام كفل لكل فرد من أفراد المجتمع ما يكفيه، سواء أكان مسلما أم غير مسلم، وقد كفل عمر بن الخطاب لكل مولود ما يكفيه من بيت المال، كما كفل لكل فرد غير قادر ما يحتاج إليه هو وأسرته، وقد وجد عمر يهوديا ضريرا يسأل الناس، وحين سأله لماذا تفعل هذا؟ قال اليهودي الحاجة والجزية، فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى خازن بيت مال المسلمين، وقال انظر هذا وضرباءه فأعطى لهم ما يكفيهم، ثم قال ما أنصفنا هذا وضرباءه إن أخذنا شبيبته وتركناه عند الكبر، وقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن أرطاة وهو عامله بالبصرة  قائلا "وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وزالت عنه المكاسب، فأجرى عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه فقد بلغني أن عمر بن الخطاب مر بشيخ من أهل الذمة يسأل.


فقال له ما أنصفناك إن أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك عند الكبر، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه" ومن هنا، فإن السارق بعد ذلك يعتبر خائنا، والسارق الخائن لا بد وأن يلقى جزاءه، وجزاء اليد التي تخون قطعها كما قضى بذلك رب العزة، والحد في الإسلام مقصود به الزجر والإصلاح واستقرار المجتمع والأمان، ولو أن علماء النفس في مجتمعاتنا المعاصرة قاموا بالدراسات الكاملة لنفسية الإنسان وعقليته وصالح الجماعات، لوجدوا أن الحدود هي أعدل العقوبات، ومن الطرائف التي تروى في هذا الصدد أن أبا العلاء المعري لفت نظره الفرق بين دية اليد والمبلغ الذي تقطع فيه، فقال يد بخمس مئين عسجد وُديت، ما بالها قطعت في ربع دينار؟ فأجابه القاضي عبدالوهاب المالكي إجابة تدل على الفهم العميق لحكمة الإسلام، قائلا عز الأمانة أغلاها وأرخصها.

 


ذل الخيانة فافهم حكمة الباري، وعلى أن ظروف الجريمة قد تدعو للنظر في إقامة الحد، وذلك إذا كان السارق مضطرا إلى السرقة ولذلك فإن عمر بن الخطاب لم يقطع غلمان حاطب بن بلتعة الذين سرقوا ناقة لرجل من مُزينة إذ إن عمر أدرك علة الحكم، وفهم حكمته، وشروط تطبيقه، والقاعدة الفقهية المعروفة الضرورات تبيح المحظورات باقية، ولم يكتفى عمر بعدم القطع، بل قال يخاطب عبدالرحمن بن حاطب "والله، لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم يجد ما حرّم الله عليه لأكله، لقطعت أيديهم، ولكن والله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك"، وغرّمه ضعف ثمن الناقة تأديبا له، كما أن الظروف العامة إذا كانت غير كافية لإعطاء كل فرد من أفراد المجتمع كفايته، فإن هذا يدخل في الباب السابق.


ولذلك أوقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه حد السرقة في عام المجاعة، لاضطرار الناس إلى ذلك، والمجتمعات الحديثة المتحضرة لا زالت تتخبط في تقنين العقوبة المناسبة للسرقة ذلك لأن التشريع البشري يتأثر بأشياء كثيرة، أما التشريع الإلهي، فهو ثابت لا يتأثر بشيء، وقطع يد السارق يعني تعطيل أداة رئيسية من أدوات الجريمة، وتجريده من سلاح العدوان والمقاومة، إذا أضيف إليه ما يُحدث قطعها من تنبيه وتحذير.

التعليقات



جريدة الراصد24

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد 24

2020