بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 23 أغسطس 2024
الحمد لله الذي عمت رحمته كل شيء ووسعت، وتمت نعمته على العباد وعظمت، ملك ذلت لعزته الرقاب وخضعت، وهابت لسطوته الصعاب وخشعت، وارتاعت من خشيته أرواح الخائفين وجزعت، كريم تعلقت برحمته قلوب الراجين فطمعت، بصير بعباده يعلم ما كنّت الصدور وأودعت، عظيم عجزت العقول عن إدراك ذاته فتحيرت، نحمده على نعم توالت علينا واتسعت، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها من النار يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، اللهم فصلي وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ثم أما بعد، لقد حث النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم عباد الله على الخوف منه واستحضار جلاله وعظمته.
فعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال "والذي نفس محمد بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، قالوا وما رأيت يا رسول الله؟ قال رأيت الجنة والنار" رواه مسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستحضر الخوف من الله في كل المواقف، فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "لما كسفت الشمس رأيت النار، فلم أر منظراً كاليوم قطّ أفظع" رواه البخاري، ومسلم، وكان النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يسأل ربه أن يرزقه الخشية منه، وكان يعلم أصحابه أن يدعوا ربهم ويسألوه أن يرزقهم من الخوف ما يمنعهم من عصيان ربهم سبحانه، فعن ابن عمران قال قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه.
"اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدنيا" رواه الترمذي، ولقد عاتب الخلاق العليم عباده من ذلك فقال تعالي " ما لكم لا ترجون لله وقارا " فما لكم لا تقدرون الله حق قدره، ولا تعظمونه حق تعظيمه ولا تخشونه حق خشيته، ألا ما أجهل الخلق بربهم، وما أجرؤهم على معاصيه، وهو الكبير الجليل العظيم سبحانه عز وجل، وقد مضى رجال من هذه الأمة كانوا يخشون ربهم خشية العارفين الموقنين، لذلك كانت أقوالهم وأفعالهم موزونة بما للشرع من موازين كانوا يزنون كلامهم قبل أن يلفظوا به لأنهم يوقنون أن خالقهم سمعها وشهد عليها، وهو تعالى خير الشاهدين، كانوا إذا أظلم الليل يقفون في محاريبهم باكين متضرعين، لهم أنين كأنين المرضى، ولهم حنين كحنين الثكلى.
وكانوا ربما مروا بالآية من كتاب الله فجعلوا يرددونها بقلب حزين فأثرت عليهم ومرضوا بعدها، مات أولئك السلف الصالح الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا، وماتت تلك الخشية وأعقبها قسوة أذهلت العباد عن طاعة الله، فصاروا يأتون ما يأتون، ويذرون ما يذرون دون سؤال عن سخط الله ورضاه، نعوذ بالله من سوء الأحوال وسيء الأخلاق، وعلى هذا المنوال سار سلف الأمة الصالحون، فكانوا يستحضرون الخوف من الله وخشيته، وكان ذكر النار ينغص عليهم عيشهم ويذكرهم بنار الآخرة ولهم في هذا مواقف مشهورة، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع رجلا يتهجد في الليل، ويقرأ سورة الطور، فلما بلغ إلى قوله تعالى " إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع"
قال عمر رضي الله عنه "قسم ورب الكعبة حق، ثم رجع إلى منزله" فمرض شهرا يعوده الناس، لا يدرون ما مرضه، وعن ابن عباس مرفوعا "لو أبرزت النار للناس، ما رآها أحد إلا مات"