محاسن الأخلاق{المروءة} جريدة الراصد 24 -->
جريدة الراصد 24 جريدة الراصد 24

داخل المقال

جاري التحميل ...

محاسن الأخلاق{المروءة} جريدة الراصد 24



المروءة هذا ما ملكه العرب يوم سكنوا الصحاري القاحلة، فلما بعث الله فيهم رسولا منهم زادتهم مدرسة الإسلام وقارا و نخوه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن الله تعالى يحب معالي الأمور و أشرافها، و يكره سفساها}

قوم لم يكونوا في الجاهلية ذوي حضارة واضحة المعالم، فلا هم كالإغريق و الهنود و الفرس، ولا حتى بلادهم القاحلة تداني جمال أوروبا أو ما وراء النهر، ولا هم كانوا أكثر عددا و عدة، لكنهم ملكوا ما لم تملكه كل الأمم الأخرى ، ولعل ذلك ما أهلهم لأن تظهر النبوة بينهم ، فيكونوا رافعين لرايتها و ناشرين لأنوارها و حاملين لهمومها و أعباءها .

العرب لم يتناهوا قبل بزوغ شمس الإسلام عن المنكرات ، ولكن العربي في حين ذلك كان سلابا نهابا و لصا فتاكا، كان يكره الكذب و النذالة و الطعن في الظهر ، وكان الموت لأحدهم أهون من أن يدان في مروءته، 

ترى العربي عيوفا أنفا كما الجواد البري الذي إعتاد الحرية و كره أن يركب ظهره، حتى بعد ظهور الإسلام و عداوة بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و حرصهم على استئصال دين الحق ، ما تخلوا قط عن النخوة و الشهامة ،فبعدما تلقى هرقل رسالة من خير المرسلين يدعوه فيه إلى الإسلام ، بعث في طلب عرب نفر من قريش ، بينهم أبو سفيان بن حرب يسأله عظيم الروم عن عدوه آنذاك محمد صلى الله عليه وسلم ، فيجيبه بالحق الذي لا شائبة فيه، بأنه صلى الله عليه وسلم ذو نسب و حسب لم يعرف عنه كذب و لا غدر، يقول اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به شيئا، و اتركوا ما يقول آباؤكم و يأمرنا بالصلاة و الصدق و العفاف و الصلة، و كان رضي الله عنه رغم أنه لم يدخل الإسلام بعد يخشى أن يؤثر عنه كذبة تعيره العرب بها« والله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه»

وحين تبرم قريش صحيفة جائرة علقت على في الكعبة، تقضي بمقاطعة المسلمين و حصارهم لسنوات ثلات في شعب أبي طالب، حتى كادوا يهلكون جوعا، ينهض خمسة رهط من الكفار ساعين في نقض الصحيفة ، ولا يهدأون حتى يزيلوها و كان منهم هشام بن عمرو ، ساءه أن يأكل و يشرب و هناك من لا يأكل و لا يشرب، و ساءه أن ينام أطفاله شبعى و هناك من الأطفال من يتضور جوعا، فكان رغم أنه لا يؤمن بالله و رسوله ، يحمل الطعام سرا إلى المسلمين في شعب أبي طالب، فلما وجد أن الأمر غير كاف أقبل على الناس صارخا(يا أهل مكة أنأكل الطعام و نلبس الثياب و بنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم و الله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة)

أما أعظم المواقف التي تجلت فيها مروءة العرب فكانت من نصيب عثمان بن طلحة ، صحابي كان قبل إسلامه من أشد المعادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى أم سلمة رضي الله عنها وحيدة في صحراء قاحلة و حرارة لاهبة، مهاجرة للحاق برسول الله عليه الصلاة والسلام ، ليس معها سوى طفها الصغير ، يسألها عن وجهتها فترد بأنها تريد زوجها بالمدينة، فلما علم بأنها و إبنها وحدهما في الطريق قال رضي الله عنه: والله ما لك من مترك و لست عثمان بن طلحة إن لم أبلغك ما منك عزيزة حرة كريمة، فلا المروءة و لا همة الرجال ترضى أن تترك إمرأة مثلك وحيدة في هذه الصحراء العريضة 

ثم أخذ بخطام البعير و انطلق دون تردد« والله ما وجدت أعظم من خلق عثمان بن طلحة ، فظل طوال الطريق لا يتحذث معي، يمسك بحبل الناقة و يشده إلى أن أوصلني المدينة ، و عندما دخلنا المدينة قال لي إن زوجك بهذه القرية ، فإني عائد إلى مكة،

المروءة شيمة النفوس الزكية، غلبة العقل على الشهوة، طلاقة الوجه، والتودد و قضاء الحوائج،

يقول الحصين بن منذر الرقاشي: 

                         إن المروءة ليس يدركها امرؤ

                        ورث المكارم عن أب فأضاعها

                        أمرته نفس بالذناءة و الخنا 

                         و نهته عن سبل العلا فأطاعها

                        فإذا أصاب من المكارم خلة 

                         يبني الكريم بها المكارم باعها 

و يقول الشاعر:

               إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها 

             هوانا بها كانت على الناس أهونا

              فنفسك أكرمها و إن ضاق مسكن 

             عليك لها،فاطلب لنفسك مسكنا

             و إياك و السكن بمنزل ذلة

            يعد مسيئا فيه من كان محسنا.

المروءة هذا ما ملكه العرب يوم سكنوا الصحاري القاحلة ، فلما بعث فيهم رسولا منهم زادتهم مدرسة الإسلام وقارا و نخوة.

محاسن الأخلاق 

أبو سلمى 

مصطفى حدادي.

التعليقات



جريدة الراصد24

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد 24

2020