الملك والصياد والسمكة الكبيرة جريدة الراصد 24 -->
جريدة الراصد 24 جريدة الراصد 24

داخل المقال

جاري التحميل ...

الملك والصياد والسمكة الكبيرة جريدة الراصد 24


بقلم / محمـــد الدكـــروري




اليوم : السبت الموافق 26 أكتوبر 2024

الحمد لله على عباده جاد، بدأهم بالفضل وله عليهم أعاد، آلائه عليهم سابغة ما خفيّ منها أعظم مما هو باد في فضله يتقلبون فهو عليهم ما بين طريف وتلاد وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ما مرّ تال بذكر قوم هود عاد ثم أما بعد يقال أن خسرو بن أبرويز كان يحب أكل السمك فكان يوما جالسا وشيرين معه فجاء الصياد ومعه سمكة كبيرة فأهداها لخسرو ووضعها بين يديه فأعجبته فأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت شيرين بئس ما فعلت فقال ولم فقالت لأنك إذا أعطيت أحدا من حشمك بعد هذا مثل هذه العطية إحتقرها وقال أعطاني مثل ما أعطى الصياد فقال الملك لقد صدقت ولكن يقبح بالملك إسترجاع ما وهبه وقد فات ذلك الأمر فقالت شيرين أنا أدبر هذا الحال فقال وكيف ذاك فقالت تدعو الصياد.


وتقول له هذه السمكة ذكر أم أنثى فإن قال أنثى فقل إنما أردت ذكرا وان قال ذكر فقل إنما أردت أنثى فنودي الصياد وكان ذا ذكاء وفطنة فقال خسرو هذه السمكة ذكر أم أنثى فقبل الصياد الأرض وقال أدام الله إقبال الملك هذه السمكة خنثى لا ذكر ولا أنثى فضحك خسرو من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فمضى الصياد إلى الخازن وقبض منه ثمانية آلاف درهم ووضعها في جراب كان معه وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع من الجراب درهم واحد فوضع الصياد الجراب عن كاهله وانحنى على الدرهم والملك وشيرين ينظران إليه فقالت شيرين لخسروا أرايت إلى خسة هذا الصياد وسفالته سقط منه درهم واحد فألقى عن عنقه ثمانية آلاف درهم وإنحنى على ذلك الدرهم فأخذه ولم يسهل عليه أن يتركه. 


فكان يأخذه بعض غلمان الملك فحرد خسرو من ذلك ثم أعاد الصياد إليه وقال له يا ساقط الهمة ألست بإنسان وضعت مثل هذا المال عن عنقك لأجل درهم واحد وأسفت أن تتركه فكان يتبلغ به بعض الصعاليك فقبل الصياد الأرض وقال أطال الله إقبال الملك لم أرفع ذلك الدرهم لخطره عندي وإنما رفعته عن الأرض لأن على أحد وجهيه اسم الملك وعلى وجهه الآخر صورته فخشيت أن يجيء أحد بغير علم فيضع قدمه عليه فيكون ذلك استخفافا باسم الملك وصورته فاكون أنا المأخوذ بهذا الذنب فعجب خسرو من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فعاد الصياد ومعه اثنا عشر ألف درهم وأمر خسرو مناديا ينادي لا يتدبر أحد برأي النساء فإن من تدبر بآرائهن أو ائتمر بمشورتهن خسر درهمه درهمين‏، واعلموا يرحمكم الله إن أمر الأمانة عظيم وخطرها كبير.


فلقد إستهان كثير من الناس اليوم بأمر الأمانة حتى أضحوا لا يلقون لها بالا، ولا يقيمون لها وزنا، وذلك ناتج عن سوء فهم لمعنى الأمانة وما يترتب على تضييعها والتفريط فيها من العذاب والعقاب، ومن أسباب التفريط في الأمانة هو عدم تذكر ما سيحدث لمن فرط في الأمانة من العذاب والنكال في قبره من سؤال الملائكة له عما فرط فيه من الأمانة، ألا وإن من أسباب التفريط في الأمانة ضعف الوازع الديني لدي كثير من الناس، فلو كان هناك وازع من الدين يردع صاحبه ويزجره كلما هم بالتفريط فيما أوكل إليه من أمانة لعاشت الأمة في خير عظيم وأمن وارف، ومن أسباب التفريط في الأمانة دافع الإنتقام سواء من رئيس أو صاحب عمل ولا شك أن هذا الأمر لن يضر أولا وآخرا. 


إلا من فرط في الأمانة لعظم قدرها وكبير خطرها، فمهما حصل من سوء تفاهم بين الرئيس والمرءوس والعامل وصاحب العمل والزوجة وزوجها، فليس معنى ذلك أن يفرط هذا أو ذاك فيما أنيط به من أمانة ومسؤولية، فليحذر المسلم من عاقبة ذلك فالعاقبة وخيمة والخاتمة سيئة والعياذ بالله.

التعليقات



جريدة الراصد24

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد 24

2020