بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
منذ عقود مضت، والعامل المصري يعاني في صمت، يحمل على كتفيه أعباء العمل وأوجاع الحياة في ظل تحديات اقتصادية ومعيشية تعصف بالبلاد. ومع مرور الوقت، نجد أن قضايا العمال، تلك الشريحة التي تمثل عصب الأمة وروحها الإنتاجية، لم تجد الاهتمام الذي تستحقه. بل، ومع كل أزمة جديدة، تتعقد أوضاعهم أكثر، وتضيق عليهم الخيارات، حتى أصبح الواقع اليوم شاهداً على سلسلة متتابعة من الأزمات التي لا تترك أملاً في إصلاح حقيقي إلا بتغيير جذري.
اليوم، نتحدث عن الفقر، عن التهميش، عن غياب العدالة في بيئة العمل، عن طرد للعمال وغلق للشركات، عن حياة أصبحت قاسية وحقوق مهدرة. هذه ليست مجرد كلمات تصف حالاً عابراً، بل هي الحقيقة المؤلمة التي يعيشها العامل المصري كل يوم. تجد العائلة العمالية نفسها أمام دخل بالكاد يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية، في وقت ترتفع فيه أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني، مما يزيد من معاناة العامل وأسرته. إن تدني الأجور هو أحد أسوأ مظاهر هذا الظلم، حيث أصبحنا نشهد أجيالاً كاملة من العمال يعيشون في فقر مدقع، في وقتٍ يتمتع فيه البعض الآخر بمزايا وثروات غير مبررة.
ومع هذا الواقع الأليم، يواجه العمال أيضاً هجمة شرسة من سياسات التسريح التي تُمارس دون وازعٍ إنساني، مما يزيد أعداد العاطلين عن العمل ويعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. الشركات التي أُغلقت وأسراب العمال الذين تم تسريحهم يضافون إلى قائمة طويلة من ضحايا قرارات غير مدروسة، تصب فقط في مصلحة البعض دون أدنى اعتبار لحياة العامل وأسرته ومستقبله.
في خضم هذه الأزمات، تبدو النقابات العمالية المستقلة، التي أُنشئت للدفاع عن حقوق العمال، مقيدة، غير قادرة على التحرك بحرية وفعالية كما هو مفترض. لا يُخفى على أحد أن السماح للنقابات العمالية المستقلة بممارسة نشاطها بدون قيود هو من أساسيات بناء مجتمعٍ عادل، مجتمعٍ يعمل على حماية حقوق كل عامل، ويعطيه ما يستحقه من اهتمام ورعاية. هذا التقييد للنشاط النقابي لا يخدم سوى مصالح ضيقة، بينما يحتاج المجتمع بأسره إلى صوتٍ حر يدافع عن حقوق العمال ويعمل على تحفيزهم للمساهمة الفعالة في الاقتصاد والإنتاج.
الحقيقة أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق بدون قوانين عمل عادلة. قوانين تحفظ للعمال حقوقهم وتمنحهم الفرصة في بيئة عمل آمنة ومستقرة، قوانين تُلزم أصحاب العمل بواجباتهم تجاه العامل، وتكفل للعامل أجرًا كريماً يناسب تضحياته. فلا يمكن لعامل يضحي بصحته ووقته وجهده في سبيل الإنتاج أن يُحرم من أجر عادل، ولا يمكن لدولة تطمح إلى نمو اقتصادي حقيقي أن تترك الطبقة العاملة في هذا الفقر والحرمان.
أصبح من الضروري اليوم على الحكومة والمشرعين وأصحاب القرار أن يستفيقوا من هذا التراخي، وأن يتبنوا سياسات شاملة تعيد للطبقة العاملة كرامتها وأمانها الاقتصادي. عليهم أن ينظروا إلى العامل باعتباره العمود الفقري للإنتاج والتنمية، وليس مجرد رقم في سجلات التوظيف. لقد أثبت التاريخ أن ازدهار أي أمة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتمكين العمال ومنحهم الحقوق الأساسية، وأن التهميش لن يجلب إلا مزيداً من الأزمات.
وفي هذا السياق، نجد أن العدالة في بيئة العمل لا تقتصر على ضمان الأجور فقط، بل تتعدى ذلك لتشمل تحسين بيئة العمل نفسها، وتوفير التأمينات الاجتماعية والصحية، وتقديم فرص للتدريب والتطوير التي ترفع من كفاءة العامل، وتزيد من مساهمته في الاقتصاد. فالعامل المصري اليوم يحتاج إلى من يقف بجانبه، لا من يثقل كاهله.
اليوم، نرفع الصوت عالياً لأجل تلك الطبقة المكافحة التي قدمت وتقدم الكثير، لكنها لم تنل إلا القليل. نطالب بحقهم في العدالة، بحقهم في العيش الكريم، وبحقهم في بناء مستقبلٍ أفضل لأبنائهم. نطالب بتأسيس بيئة عمل تدعم الإنتاج وتحفز العمال، وليس بيئة تستغلهم وتضغط عليهم.
ختاماً، على كل محب لهذا الوطن أن يدرك أن إصلاح أوضاع العمال ليس مجرد مسألة حقوق، بل هو مسألة استقرار وازدهار. إن عزة ورفعة مصر تتطلب إصلاحاً حقيقياً لأوضاع العاملين فيها، حتى ننطلق نحو مستقبل مشرق يجمع بين الكرامة والعدالة والعمل المخلص.