بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأ
حد الموافق 24 نوفمبر 2024
الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصدته الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها، وضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار، لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين فهدى الله به من الضلالة وبصر به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة ولمّ به بعد الشتات وأمّن به بعد الخوف فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد إن كل ما نراه من كوراث وإنحرافات ومواجع وفاجعات.
ربما كان سببه هو الإهمال في تربية الشباب وعدم العناية بالناشئة من الفتيان والفتيات، ولقد إنزلق الشباب المسلم في براثن الفضائيات والرذيلة وسقطوا في مستنقعات العار والفضيحة، ووقعوا في بؤر الإسفاف ومراتع الإستخفاف وما تلكم التجمعات الفاشلة حول المحلات التجارية وعند أركان البيوت والهروب من المدارس والتواجد في الأزقة وأماكن قضاء الحاجة والتعرض للمسلمين وأذيتهم، إلا دليل على أن هناك خللا يجب سده وخرقا يجب رقعه، فلابد من رأب الصدع، وترميم جدار التربية، ألا فاتقوا الله أيها الآباء فأنتم عند ربكم موقفون وعن ذريتكم مسؤولون، فقال تعالى " وقفوهم إنهم مسؤولون " وقال تعالى " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" ولقد تفاقم الوضع وتعاظم الأمر وتطاير الشرر عندما تخلى الآباء عن مسؤولية التربية الصحيحة وأهملوا الإلمام بأسس العناية السليمة.
فليست التربية عنف كلها ولا رخو جلها، بل شدة في غير عنف ولين في غير ضعف، هكذا هي التربية، أما أن يعتقد أب أو تظن أم، أن التربية تكبيل بالسلاسل وضرب بالحديد والمناشير وسجن في غرفة مظلمة مدلهمة فيخرج لنا جيل تسيل دماؤه وتنتفخ أوداجه، يخاف من خياله ويهرب من ظله ويغضب ويثور لأتفه الأسباب، فيكن العداء لأمته والبغضاء لوطنه، فليس ذلك بمطلوب ولا مرغوب، ألا فاعلموا أيها الناس أن شريعة الإسلام لم تأتي بمثل هذا العنف والجبروت والهجية والعنجهية، بل الإسلام دين الرحمة والرأفة لاسيما الرحمة ببني الإنسان، فإتقوا الله أيها الآباء في فلذات الأكباد ولا يقودنكم الغضب لظلم أبنائكم والإساءة إليهم ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم فذلكم النقيض وضده ولا يلتقي النقيضان وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية.
فانحل أبناؤهم وضاع أولادهم، فلم ينصاعوا لأوامرهم وهذا أمر مشاهد وملموس، فهؤلاء الشباب الذين تجاوزوا العشرين من أعمارهم أو أقل، تراهم في الطرقات وفي السيارات ضياع وتيه، تعرفهم بسيماهم، قبلتهم الملاعب وتجارتهم المثالب، شرهم أكثر من خيرهم، آذوا الجار، وإمتحنوا القريب وبعيد الدار، إذا سألت عن أخبارهم، تنبؤك عنها طواقيهم وقبعاتهم، غطرسة وعربدة أينعت رؤوسهم وحان قطافها فأين عنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لقد فقدت الأمة درته وسُلبت هيبته فمن ضعف أمام أبنائه، فلا يتركهم هملاً وسبهللا، بل يخبر عنهم الجهات المختصة حتى يكفون شرهم عن الناس، والدولة الرشيدة رعاها الله تعالي، إهتمت بالآباء منذ نعومة أظفارهم، فلن تعجز في هذا المضمار من ردع سفلة الشباب الضائع، وسفهاء الطبائع.
وقال ابن القيم رحمه الله " من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم ".