بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله أنشأ الكون من عدم وعلى العرش استوى، أرسل الرسل وأنزل الكتب تبيانا لطريق النجاة والهدى، أحمده جل شأنه وأشكره على نعم لا حصر لها ولا منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، ولا ند له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى، ثم اما بعد، إن من علامات الساعة الصغرى هو ضياع الأمانة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إذ ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة" رواه البخاري، فإنه مؤشر خطير ودقيق على ضياع أساس الصلاح في النفوس، فماذا يبقى للناس إذا فقدوا الأمانة بينهم.
فخانوا الله تعالي في دينهم وخانوه في أعمالهم وخانوه في حوائج الناس الذين استأمنوهم على قضائها، لقد أصبح فئام من مجتمعنا بعد أن استرعاهم الله على بعض أمورنا يتفننون في التهرب من أداء أمانتهم الملقاة على عواتقهم ويتباهون بأخذ رواتبهم من غير تعب ولا نصب، بل ويجاهرون بتحصيل الأموال الطائلة في تجارتهم بالغش والتحايل، فإنه حال مؤسف حقا حينما يصير الرجل خائنا بعد أن كان أمينا، وهذا إنما يقع لمن ذهبت خشيته لله تعالي، وضعف إيمانه وخالط أهل الخيانة يدفعونه نحوها ويحثونه عليها فقد يتردد مرارا في إضاعتها، غير أنه بعد مخالطتهم يستمرأ الخيانة لله ولرسوله ولنفسه ولأمته حتى يصبح داعية إليها، ينشر الخور بين الناس، فإذا كثر هذا الصنف من الخائنين فلننتظر الساعة.
وإن المسؤولية العظمى كما بين النبي صلي الله عليه وسلم تقع في إسناد الأمر إلى غير أهله لأن في ذلك تضييعا لحقوق الناس وإستخفافا بمصالحهم وإيغارا لصدورهم وإثارة للفتن بينهم، فالواجب التحري فيمن يولى على حوائج المسلمين، لتوضع بين يدي من يخاف الله فيهم ويرعى ذممهم، فالناس تبع لمن يتولى أمرهم، وإن الله سائل كل راع عما استرعاه، والمدارس والأسر والمساجد هي محاضن الأمانة فيها ينبغي أن يربى الجيل على الأمانة، لينشأ عليها وينطلق في مسارها، فما بالها تفتقر إلى شيء منها فهل راجع المربون بإختلاف مسؤولياتهم أنفسهم في شأن الأمانة ؟ إنه لو كل فرد منا من أكبر مسؤول إلى أقلهم مسؤولية، تقلد الأمانة بحقها وأداها على وجهها، لسارت الأمة على سفينة آمنة، لا تضرها الأمواج ولا تخرقها أيدي العابثين.
والمجتمع الأمين يقدر الأمناء في كل مسؤولياتهم، يجل فيهم سمو أخلاقهم وقوة إرادتهم ويبقي لهم ذكرا خالدا في الأنفس وعلى سطور التاريخ فوالله إنك لتسمع مثلما أسمع عن ذلك التاجر في صدقه وأمانته حتى ترى من الناس معه إقبالا وحبا وجميل معاملة ونبل تعاون، لأنه ترفع بأمانته عن الغبن في الأسعار والغش في البضاعة فيعطيه الله تعالى بركة في رزقه وصحته وذريته وكم ترى الحرمان من السعادة في حياة الغشاشين وهموا بغشهم لغيرهم أنهم أكثر ذكاء وفطنة ودهاء، غير أنهم باءوا بالإحتقار والإزدراء من عامة الناس قبل خاصتهم، سمعوا ذلك بأنفسهم أو لاكتهم الألسنة من خلف ظهورهم في الدنيا أو حكمت عليهم بعد موتهم فبئس الخيانة وصفا وذكرا وشؤما.