بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 12 نوفمبر 2024
الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارا وصرفهم كيف شاء عزة واقتدارا، وأرسل الرسل إلى الناس إعذارا منه وإنذارا، فأتم بهم نعمته السابغة وأقام بهم حجته البالغة، فنصب الدليل وأنار السبيل وأقام الحجة وأوضح المحجة، فسبحان من أفاض على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة، أحمده والتوفيق للحمد من نعمه وأشكره على مزيد فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة ونصبت القبلة ولأجلها جردت سيوف الجهاد وبها أمر الله سبحانه جميع العباد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعالمين، أرسله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وأمده بملائكته المقربين وأيده بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين.
أفضل من صلى وصام وتعبد لربه وقام ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام، ثم أما بعد قال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى متى جعلك في الظاهر ممتثلا لأمره وفي الباطن مستسلما لقهره فقد أعظم المنة عليك، وكما قال أيضا من علامة النجاح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات، وكما قال أيضا من أشرقت بدايته أشرقت نهايته، وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى بلغني أن العبد يعمل العمل سرا، فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه، فيكتب في العلانية، ثم لا يزال الشيطان به حتى يحب أن يحمد عليه، فينسخ من العلانية فيثبت في الرياء، وقال الشافعي رحمه الله تعالى وددت أن الناس جميعا كتبوا كتبي ولم ينسبوا شيئا إليّ، وقال آخر الإخلاص أن تكون حركة العبد وسكونه في سره وعلانيته لله وحده، لا يمازجه نفس ولا هوى ولا دنيا.
وروى عن أبو عبيد بإسناده عن سليمان بن يسار، أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصى، فقال له عمر أعلمتها؟ قال لا، قال أعلمها، ثم خيرها، وقد جعل الإسلام العيوب المنفرة كالجنون والجذام، والبرص من أسباب فسخ النكاح، حتى تقوم الحياة الزوجية على الحب والمودة، دون شوائب تعكرها، أو تنال من صفائها، فإذا تم الزواج على هذا الأساس المتين، والوضوح المريح جاءت وصايا الإسلام إلى الزوج تجاه زوجته، والى الزوجة تجاه زوجها، شأن الوالد الرحيم حينما ينصح ولدين له بغية أن يشبا على الألفة والمحبة، فتأتي نصائح الإسلام إلى الزوج مجتمعة في هذه الآية الكريمة " وعاشروهن بالمعروف " والمعروف كلمة تشمل كل وسائل الخير التي ينبغي أن يعامل بها المسلم من يعاشر من زوجة أو صديق، والإسلام لا يكتفي بهذا.
وإنما يفصل حقوق الزوجة على زوجها، ويجعل أهمها الإنفاق في حدود الطاقة والسعة، ثم الإحترام والتقدير، فقال الله تعالى كما جاء في سورة الطلاق " لينفق ذو سعة من سعتة ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسرا يسرا " وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال صلى الله عليه وسلم "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت" رواه أبو داود، ثم يترك الإسلام الزوج بعدما أوقفه على مبدأ الطريق السوي في الحياة الجديدة التي تواجهه ليتجه إلى الزوجة صابا في أذنها هذا النصح الرشيد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذي.
وقال الله تعالى كما جاء في سورة النساء " فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله " وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" متفق عليه، والمراد بالصوم في الحديث هو صوم التطوع، فبعد هذه التوجيهات والنصائح التي اسداها الإسلام إلى دعامتي الأسرة الزوج والزوجة، وبعد إنصياعهما إنصياع رضا وإقتناع تتحقق السعادة الزوجية المنشودة، ويعيش الزوجان في حب متجدد، وألفة دائمة، ووئام تام جامع لقلبيهما على إستعذاب الحياة، مهما قست الحياة، وفي ذاك الإستعذاب السعادة الوارفة الظلال.