بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الاثنين الموافق 30 ديسمبر 2024
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، يقول الله تعالي" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا، إن الله مع الصابرين" وعندما تضطرب أمور المعركة، وينفرط عقدها تكون الحاجة إلى الصبر أعظم وأشد كما حدث في غزوة أحد حين إنكشف المسلمون وشاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل، إنجفل فريق من المسلمين منهزمين، وصبر آخرون فنزل من القرآن إشادة بمن صبروا.
وإنكار على أولئك فقال تعالي " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" ثم لا يعذرهم في فرارهم وانهزامهم فقال تعالي "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين" إلى أن قال تعالي " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين" وقد حدثنا الله تعالي عن الثلة المؤمنة مع طالوت عندما إنتصرت لما إعتصمت بالصبر، وقد إختبر طالوت من معه بقوله "إن الله مبتليكم بنهر" فصبر ثلة مؤمنة على ترك الشرب من النهر إلا غرفة باليد، وقال تعالي.
"فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه، قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله، كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين، ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" لقد سألوا الله تعالي حين اللقاء صبرا وأوعبوا، فقالوا "أفرغ" إذ هم بحاجة إلى صبر كثير، وكانت النتيجة كما قال تعالي "فهزموهم بإذن الله، وقتل داود جالوت" وكما أن من مجالات الصبر في القرآن الكريم هو الصبر في مجال العلاقات الإنسانية، حيث أنه لا تستقيم الحياة مع الناس إلا بالصبر بدءا بأقرب من يعاشرك وهي الزوجة وانتهاء بأبعد الناس عنك، وقد قال الله تعالى مبينا ما ينبغي أن يتحلى به الزوج من صبر في مواجهة مشاكل الزوجية " وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"
أي فاصبروا فعاقبة الصبر حميدة، ويوصي الله عباده بالصبر على ما يلاقونه من الناس من ضر، وأن لا يقابلوا السيئة بمثلها فيقول " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" ومما ينظم في هذا العقد صبر التلميذ على التعلم والمعلم، وهذا ما حدثنا عنه في القرآن الكريم عندما ذهب نبي الله موسى عليه السلام إلى الرجل الصالح الخضر ليعلمه مما علمه الله، فقال له الخضر إما لأن الله أخبره بالحقيقة أو تهييجا على الصبر قال "إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا" فتعهد نبي الله موسى عليه السلام بالصبر، فقال " ستجدني إن شاء الله صابرا"