بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله برحمته اهتدى المهتدون، وبعدله وحكمته ضلّ الضالون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، تركنا على محجّة بيضاء لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء والظنون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم ثم أما بعد، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياما، ثم استرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحوا من أربع سنين، وشقّ عن فؤاده هناك، واستخرج منه حظ النفس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك، ثم ماتت أمه بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة وهو إبن ست سنين.
ولما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح، إستأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وقال " زوروا القبور فإنها تذكر بالموت " رواه مسلم، فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزّ نصر وأتم مؤازرة مع أنه كان مستمرا على شركه إلى أن مات، فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك، وكان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلق جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته.
حتى أنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره، فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود إختلفوا فيمن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد، إسمه أحمد، بشّر بذلك نبي الله عيسى عليه السلام قومه وإسمه العاقب والحاشر والماحي، وهو خاتم الرسل وخيرة الأنبياء، وخطيبهم إذا وفدوا، وإمامهم إذا وردوا، وهو صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، وصاحب الغرّة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، حامل لواء العز في بني لؤي.
وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، أشرف من ذكر في الفؤاد، وصفوة الحواضر والبوادي، وأجلّ مصلح وهاد، جليل القدر، مشروح الصدر، مرفوع الذكر، رشيد الأمر، القائم بالشكر، المحفوظ بالنصر، البريء من الوزر، المبارك في كل عصر، المعروف في كل مصر، في همة الدهر، وجود البحر، وسخاء القطر، صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه، ما نجم بدا وطائر شدا ونسيم غدا ومسافر حدا صلى الله عليه وسلم، وتزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها وله خمس وعشرون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها.