بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى وأشهد أن لا إله إلا الله أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، لا تحصى نعمه عدا ولا نطيق لها شكرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى والخليل المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن على النهج اقتفى وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت زوجتة السيدة خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، فلما ماتت خديجة رضي الله عنها تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ولم يتزوج بكرا غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها.
وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها، وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها، ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، ثم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان، وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حييّ بن أخطب رضي الله عنها، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي آخر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل أولاده صلى الله عليه وسلم من ذكر وأنثى من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، إلا إبراهيم، فإنه من السيدة مارية القبطية التي أهداها له المقوقس، فالذكور من ولده هم القاسم وبه كان يكنى، وعاش أياما يسيرة، والطاهر والطيب، وقيل ولدت له عبدالله في الإسلام فلقب بالطاهر والطيب.
أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين ومات قبله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، وأما عن بناته صلى الله عليه وسلم فهن السيدة زينب وهي أكبر بناته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، والسيدة رقية وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، والسيدة فاطمة وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، والسيدة أم كلثوم وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد وفاة السيدة رقية رضي الله عنهن جميعا، وقال النووي فالبنات أربع بلا خلاف، والبنون ثلاثة على الصحيح، وإن الرسول الكريم المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم خيار من خيار، إلى نسبه يعود كل مخار، وهو من نكاح لا من سفاح، آباؤه سادات الناس، وأجداده رؤوس القبائل.
جمعوا المكارم كابرا عن كابر، وإستولى على معالي الأمور، فلن تجد في صفة عبد المطلب أجلّ منه، ولا في قرن هاشم أنبل منه، ولا في أتراب عبد مناف أكرم منه، ولا في رعيل قصيّ أعلى كعبا منه، وهكذا دواليك حتى آدم عليه السلام، فهو صلى الله عليه وسلم سيد من سيد يروي المكارم أبا عن جد، وقد اختار الله تعالي له من بقاع العالم ومن بين أصقاعها أحبّ البلاد إليه سبحانه، البلد الحرام، والتربة الطاهرة، والأرض المقدسة، والوطن المحاط بالعناية المحروس بالرعاية فولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة حيث صلى الأنبياء، وتهجد المرسلون، وهبط الوحي، وطلع النور، وأشرقت الرسالة، وسطعت النبوة، وإنبلج فجر البعثة، وحيث البيت العتيق والعهد الوثيق، والحب العميق.
فمكة مسقط رأس المعصوم، وفيها مهد طفولته، وملاعب صباه، ومعاهد شبابه ومراتع فتوّته ورياض أنسه، ففيها رضع لبن الطهر، ورشف ماء النبل، وحسا ينبوع الفضيلة، وفيها درج، ودخل وخرج، وطلع وولج، فهي وطنه الأول، بأبي هو وأمي، وهي بلدته العزيزة الى فؤاده، الحبيبة الى قلبه، الأثيرة الى روحه، فهناك في مكة صنع ملحمته الكبرى، وبث دعوته العظمى، وأرسل للعالمين خطابه الحار الصادق، وبعث لأهل الأرض رسالته المشرقة الساطعة، حتى إنه لما أخرج من مكة ودّعها وداع الأوفياء وفارقها وما كاد يتحمل هذا الفراق.