بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الاثنين الموافق 13 يناير 2025
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي خلقنا وسوانا، وله الحمد على ما ربانا فيه على موائد البر والكرم، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد الذي أدبه وأحسن خلقه، وأثنى عليه سبحانه بقوله " وإنك لعلي خلق عظيم " وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه من الذي صلحت قلوبهم وأنفسهم، وحسنت أخلاقهم وكانوا من الفائزين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد إن أكثر مجالس العلم اليوم قد هُجرت وغالب موائد العلماء الربانيين قد تُركت حتى ممن ينبغي عليهم أن يحرصوا على شهودها حتى أصبحت اليوم لأهلها تحن وعلى فراقهم تأن والله المستعان، فأين الذين كانوا يتسابقون على هذه المجالس المباركة ؟ وأين الذين كانوا يتنافسون على حضور حلق العلم النافعة ؟
وأين الذين كانوا ينسخون الأحاديث النبوية، ويدونون الفوائد العلمية ؟ وأين حفاظ كلام رب العالمين،والمتون بأنواعها والصحيحين؟ ولماذا هذا الزهد فيها؟ والإعراض عن حضورها؟ وقلة الإقبال إليها، فما الذي شغل أهل الإسلام عن حضور المجالس التي يحيها العزيز العلام؟ فأين تقضى أيام المسلمين ؟ وكيف تصرف أوقاتهم؟ فإن الأسباب كثيرة والنتيجة واحدة، فمنهم من غرتهم الملذات وتغلبت عليهم النفس والشهوات فتركوا مجالس الخير والبركات، ومنهم من لا يستحضر شرف طلب العلم، وأجر حضور مجالسه، وأنه من أجل القربات لرب البريات فيكسل، ولا يحرص على الذهاب إلى مجالس النفع والخيرات، ومنهم من شغلته وسائل التواصل الحديثة والاتصالات، عن حضور مجالس العلماء والتفقه في دين رب الأرض والسموات.
ولا ننسى أيضا أن بعض من إقتحم ميدان النصح والدعوة من غير زاد ولا عتاد هم سبب كذلك في هجران مجالس العلم التي تعقد في بيوت الله جل جلاله، حيث زهدوا الناس فيها، سواء قصدوا ذلك أو لم يقصدوا، وعوضوهم عنها بمجالس يغلب عليها القصص وتكثر فيها الفكاهة والتنفيس، فأصبح الكثير من المسلمين إلا من رحمه رب العالمين عن مجالس العلماء معرضين، وإلى مجالس هؤلاء مقبلين، فيا أيها الأحبة الكرام إننا لا ننكر أن في أمتنا اليوم ولله الحمد من لا يزال حريصا على الأخذ من ميراث الأنبياء ويبذل جهده في الإقتداء بمن سبقه من الأتقياء فثبتهم الله على هذا الطريق القويم، وجزاهم على ذلك خير الجزاء، فعلى هؤلاء الأصفياء من العلماء الأتقياء وطلبة العلم النجباء أن يحمدوا الله جل جلاله على هذا الاصطفاء.
وأن لا ييأسوا ولا يحزنوا من قلة الأعوان وعدم تشجيع الأصحاب والإخوان، وعليهم أن يواصلوا في طلب العلم، وليحرصوا على العمل به، وليبذلوا وسعهم في حث المسلمين على التفقه في الدين، وليخلصوا في ذلك لرب العالمين ولا يهتموا بعدد الحاضرين، فعن الإمام عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال "كنت أجلس يوم الجمعة في مسجد الجامع فيجلس إلي الناس فإذا كانوا كثيرا فرحت وإذا قلوا حزنت، فسألت بشر بن منصور فقال "هذا مجلس سوء لا تعد إليه، قال فما عدت إليه" وليتذكروا دائما أن التوفيق لسلوك هذا الطريق الكريم هو من تفضل العزيز الحكيم، فعن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " رواه البخاري ومسلم، ويقول ابن بطال رحمه الله " وفيه فضل الفقه في الدين على سائر العلوم، وإنما ثبت فضله، لأنه يقود إلى خشية الله، والتزام طاعته، وتجنب معاصيه"