بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 4 يناير 2025
الحمد الله الذي أسكن عباده هذه الدار وجعلها لهم منزلة سفر من الأسفار وجعل الدار الآخرة هي دار القرار، فسبحان من يخلق ما يشاء ويختار ويرفق بعباده الأبرار في جميع الأقطار وسبق رحمته بعباده غضبه وهو الرحيم الغفار، أحمده على نعمه الغزار، وأشكره وفضله على من شكر مدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المختار، الرسول المبعوث بالتبشير والإنذار صلى الله عليه وسلم، صلاة تتجدد بركاتها بالعشي والأبكار، أما بعد نحن اليوم في هذه الفترة العصيبة من أوقات المسلمين أمام مرحلة جديدة مرحلة ما يمكن أن تسمى بمرحلة تسويق الإسلام الجديد، ففي ظل الضعف الشديد الذي تعانيه أمة المسلمين على مختلف الأصعدة.
وفي ظل سطوة الكافرين وظلمهم وطغيانهم بعدما حازوا أسباب القوة وتفوقوا فيها على المسلمين واحتكروها، دب الضعف والخور في نفوس طائفة من المسلمين من الوجهاء ومن بعض من يتعاطون شيئا من العلوم الشرعية، فلم يروا مخرجا من ذلك إلا عن طريق التقارب مع ما أفرزته الحضارة الغربية المادية التي لا تتعامل إلا مع المحسوسات، والقبول بما جاءت به وعدم معارضتها، وفي ظل ذلك فقد بدأ العالم الإسلامي بعد الصحوة القوية التي شهدها مع مطلع السبعينيات من هذا القرن بدأ الآن يتراجع إلى قريب من الحالة التي كان عليها مع قرب نهاية القرن الثامن عشر عندما دهمته قوي الإستعمار بما لديها من تقدم مادي وعسكري فرجع إلى نصوص الشريعة يلوي أعناقها ويحرفها عبر دروب كثيرة.
من التأويلات الفجة التي لا تستقيم من أجل أيجاد أرضية مشتركة بين ما دلت عليه الشريعة وبين ما أتت به الحضارة الغازية، فبدأت تغزو أسماعنا الآن كلمات مثل الإسلام المدني والإسلام الديمقراطي والإسلام الليبرالي، ثم الحديث عن قيم الإسلام التنويري، والإنفتاح على الآخر المختلف الثقافي والديني، والتعاون في سبيل المشترك الإنساني وعدم نفي الآخر أو تهميشه، والتواصل بين المؤمنين في العالم من اليهود، النصارى، المسلمون في سبيل خير الإنسانية والكثير الكثير من أمثال هذه الجمل والتعبيرات التي تتداخل فيها الألفاظ والمعاني لإنتاج خلطة متقنة فيها الكثير والكثير من الأمور والمسائل والقضايا التي تخالف عقائد الإسلام وأحكامه إضافة إلى القليل القليل من الطلاء الذي يبدو كأنه ينتمي إلى عناصر الدين الصحيح.
حتى يبتلع المسلمون الخلطة المعدة كما يحتال الصياد بحبة من القمح يوقع بها الطائر في شراكه فلا يخرج منها إلا إلى الذبح، إن المعركة اليوم شديدة وقائمة على أشدها، وهي بكل أسف وأسى لا يديرها العدو الكافر المعلن بكفره وعداوته، وإنما يديرها مسلمون من جلدتنا ويتكلون بألسنتنا ويحتجون بما نحتج به من القرآن والسنة، لكن على غير الوجه السليم والاستدلال المستيقم، وقد بين لنا هذه الحقيقة الساطعة حذيفة بن اليمان حيث يقول كان الناس يسألون رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم، قلت وهل بعد ذلك الشر من خير؟
قال نعم وفيه دخن، قلت وما دخنه؟ قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" إلي آخر الحديث.