بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي شمل بخلقه ورحمته ورزقه القريب والبعيد، سبحانه وتعالي "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله هو أفضل النبيين والمؤيد بالآيات البينات والحجج الواضحات والبراهين صلى اله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية التاريخية وكتب السيرة النبوية الشريفة الكثير عن رحلة الإسراء والمعراج، وإن من الفوائد والدروس والعبر من رحلة الإسراء والمعراج هو أنه بعد كل محنة منحة، فقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحن عظيمة، فهذه قريش قد سدت الطريق في وجه الدعوة في مكة وفي ثقيف وفي قبائل العرب.
وأحكمت الحصار ضد الدعوة ورجالاتها، من كل جانب وأصبح الخطر يحدق بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه أبي طالب أكبر حُماته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في طريقه، صابر لأمر ربه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولاحرب محارب، ولا كيد مستهزئ، وحان الوقت للمحنة العظيمة، فجاءته حادثة الإسراء والمعراج، على قد من رب العالمين، فيعرج به من دون الخلائق جميعا، ويكرمه على صبره وجهاده، ويكلمه دون واسطة، ويطلعه على عوالم الغيب دون الخلق كافة، ويجمعه مع إخوانه من الرسل في صعيد واحد، فيكون الإمام والقدوة لهم، وهو خاتمهم وآخرهم، وكما أن من الفوائد والدروس والعبر من رحلة الإسراء والمعراج هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مقدما على مرحلة جديدة، مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة.
يريد الله تعالى للَّبِنات الأولى في البناء أن تكون سليمة قوية متراصة متماسكة، فجعل الله هذا الاختبار والتمحيص، ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض، ويثبت المؤمنين الأقوياء الخلص، الذين لمسوا عيانا صدق نبيهم بعد أن لمسوه تصديقا وشهدوا مدى كرامته على ربه، فأي حظ يحوطهم وأي سعد يغمرهم، وهم حول هذا النبي صلى الله عليه وسلم المصطفى، وقد آمنوا به، وقدموا حياتهم فداء له ولدينهم، كم يترسخ الإيمان في قلوبهم أمام هذا الحدث الذي تم بعد وعثاء الطائف، وبعد دخول مكة بجوار، وبعد أذى الصبيان والسفهاء، وإن شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم العالية، تتجسد في مواجهته للمشركين، بأمر تنكره عقولهم، ولا تدركه في أول الأمر تصواراتهم، ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم، وتلقي نكيرهم واستهزائهم.
فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق، أمام أهل الباطل، وإن تحزبوا ضد الحق، وجندوا لحربه كل ما في وسعهم، وكانت من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحجة على المشركين، بأن حدثهم عن إسرائه إلى بيت المقدس، وأظهر الله له علامات تلزم الكفار بالتصديق، وهذه العلامات هي وصف النبي صلى الله علي وسلم بيت المقدس، وقد أقروا بصدق الوصف، ومطابقته للواقع الذي يعرفونه، وإخباره عن العير التي بالروحاء، وإخباره عن العير الثانية، وإخباره عن العير الثالثة التي بالأبواء، وقد تأكد المشركون فوجدوا أن ما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كان صحيحا، فهذه الأدلة الظاهرة كانت مفحمة لهم ولا يستطيعون معها أن يتهموه بالكذب.