بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل لنا الصوم حصنا لأهل الإيمان والجنة، وأحمد سبحانه وتعالى وأشكره، بأن من على عباده بموسم الخيرات فأعظم المنة ورد عنهم كيد الشيطان وخيب ظنه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، شهادة تؤدي لرضوانه والجنة، أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية التاريخية وكتب السيرة النبوية الشريفة الكثير عن رحلة الإسراء والمعراج، ولقد كانت هذه الرحلة العظيمة تربية ربانية رفيعة المستوى وأصبح صلى الله عليه وسلم يرى الأرض كلها، بما فيها من مخلوقات، نقطة صغيرة في ذلك الكون الفسيح، ثم ما مقام كفار مكة في هذه النقطة؟ إنهم لا يمثلون إلا حزءا يسيرا جدا من هذا الكون، فما الذي سيفعلونه تجاه من إصطفاه الله تعالى من خلقه، وخصه بتلك الرحلة العلية الميمونة، وجمعه بالملائكة، والأنبياء عليهم السلام.
وأراه السموات السبع وسدرة المنتهى، والبيت المعمور، وكلمه تعالي، ويظهر إيمان أبو بكر الصديق رضي الله عنه القوي في هذا الحدث الجلل، فعندما أخبره الكفار، قال بلسان الواثق لئن كان قال ذلك لقد صدق، ثم قال إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، وبهذا استحق لقب الصديق، وهذا منتهى الفقه واليقين، حيث وازن بين هذا الخبر، نزول الوحي من السماء، فبين لهم أنه إذا كان غريبا على الإنسان العادي، فإنه في غاية الإمكان بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن حين خيّر بينه وبين الخمر، وبشارة جبريل عليه الصلاة السلام هديت للفطرة، تؤكد أن هذا الإسلام دين الفطرة البشرية، التي ينسجم معها، فالذي خلق الفطرة البشرية، خلق لها هذا الدين، الذي يلبي نوازعها وإحتياجتها.
ويحقق طموحاتها، ويكبح جماحها، وإن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء دليل على أنهم سلموا له بالقيادة، والريادة، وأن شريعة الإسلام نسخت الشرائع السابقة، وأنه وَسعَ أتباع هؤلاء الأنبياء ما وسع أنبياءهم أن يسلموا بالقيادة لهذا الرسول ولرسالته، التي لا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفها، وإن على الذين يعقدون مؤتمرات التقارب بين الأديان، أن يدركوا هذه الحقيقة، ويدعوا إليها، وهي ضرورة الإنخلاع من الديانات المحرفة، والإيمان بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته، وعليهم أن يدركوا حقيقة هذه الدعوات المشبوهة، التي تخدم وضعا من الأوضاع، أو نظاما من الأنظمة الجاهلية، وفي هذه الرحلة العظيمة والآية الباهرة دروس وعظات وعبر، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسرائه ومعراجه أمورا حدثت وتحدث.
وتناقلتها كتب السنة، ومع ذلك لا تتحول الأمة من حال القراءة والاطلاع إلى حال الإلتزام والعمل ومن هذه المرائي هم المجاهدون في سبيل الله تعالي حيث روى ابن جرير وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قوم يَزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل، ما هذا؟ قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف" وقد أوضحت هذه المرئية ما أعده الله عز وجل من جزاء، وما ادخره من ثواب لأولئك الذين جاهدوا في سبيل الله إعلاء لكلمته، ونشرا لدينه، جاهدوا بكلمة صادقة، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ثقة وطمعا فيما عند الله، وهو أعظم وأبقى فسبحانه وتعالي القائل " وما عند الله خيرا للأبرار ".