محمود سعيدبرغش
السعي الدائم لإرضاء الآخرين قد يبدو أمرًا إيجابيًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته مخاطر كبيرة على النفس والهوية الشخصية. فالإنسان الذي يسعى دائمًا لنيل رضا الآخرين يتعرض لضغوط نفسية كبيرة، ويضطر أحيانًا للتنازل عن قيمه ومبادئه، مما قد يجعله يشعر بالتعب والإحباط.
ثمن إرضاء الجميع
الحرص المفرط على إرضاء الجميع يعني غالبًا تقديم تنازلات مستمرة على حساب القيم والمبادئ الشخصية. قد يؤدي ذلك إلى الشعور بفقدان الهوية والانفصال عن الذات. ومع ذلك، فإن رضا الآخرين غاية لا تُدرك، فالبشر مختلفون في آرائهم وتوقعاتهم.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
> "وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ" (البقرة: 145).
هذه الآية تذكّر بأن محاولة إرضاء الجميع أمر مستحيل، وأن الأولوية يجب أن تكون لاتباع الحق لا لمسايرة الناس.
فقدان الهوية
عندما يصبح رضا الآخرين الهدف الأسمى، يبدأ الإنسان بالتنازل عن هويته شيئًا فشيئًا. يتحول إلى شخص يغير مواقفه وفقًا لرغبات من حوله، حتى يفقد صلته بذاته. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
> "من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس" (رواه ابن حبان).
هذا الحديث يوضح أن إرضاء الله هو الطريق الوحيد لنيل السلام الداخلي والرضا الحقيقي، وأن محاولة إرضاء الناس على حساب الحق تؤدي إلى الخسارة.
الرضا الذاتي أولوية
بدلاً من محاولة إرضاء الجميع، يجب التركيز على إرضاء الله والسعي لتحقيق الرضا الذاتي. الرضا الذاتي يعني التصالح مع النفس واحترام القيم والمبادئ الشخصية، وهو ما يحقق للإنسان التوازن النفسي والراحة الداخلية.
كيف نحقق التوازن؟
1. إرضاء الله أولاً: اجعل رضا الله هدفك الأسمى، فهو الطريق إلى النجاح في الدنيا والآخرة.
2. تعرف على ذاتك: حدد قيمك وأهدافك وتمسك بها دون تردد.
3. كن صادقًا مع نفسك: لا تتنازل عن مبادئك لإرضاء الآخرين.
4. تقبل اختلاف الآراء: تفهم أن الناس مختلفون ولن تتمكن من إرضاء الجميع.
السعي لإرضاء الجميع ليس سوى سراب يرهق النفس. الأولوية يجب أن تكون لرضا الله واحترام الذات، فالإنسان الذي يحترم نفسه يعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي والرضا.