بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ثم الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، نحمده سبحانه أحاط بكل شيء خبرا، ونحمده بأن جعل لكل شيء قدرا، وأسبغ علينا وعلى العالمين من حفظـه سترا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين كافة عذرا ونذر، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم ووالاهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد، ينبغي عليك اخي الكريم أن تبتسم للناس حتي يبتسمون لك، وإن قسمات الوجه خير معبّر عن مشاعر صاحبه، فالوجه الصبوح ذو الإبتسامة الطبيعية الصادقة خير وسيلة لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، فقال صلى الله عليه وسلم في الحث على البشر والتلاطف " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة" وتهادوا تحابوا، فالهدية قد تكون بسيطة جدا في قيمتها.
ولكنها تدخل سرورا وتظهر مدى الإهتمام بالمهدى إليه، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم "تهادوا تحابوا" ودع الغير يظن أن الفكرة هي فكرته، فإذا أردت أن تكسب روح التعاون عند الآخرين فاجعل الشخص الآخر يحس أن الفكرة هي فكرته، فالرجل العاقل إذا أراد أن بتصدر الناس جعل نفسه خلفهم، وكما عليك أن تتفهّم عواطف الآخرين، واستثر عواطفهم النبيلة، كما أن لك عاطفة تسوقك في كثير من الأحيان إلى إتخاذ موقف معين، أو تبني رأي خاص، فإن للآخرين عواطف أيضا، وكما يسرك بأن يراعي الآخرين عاطفتك، فإنهم يسرهم أن تراعي عواطفهم بنفس المقدار، ومهما بدا الناس عتاة قساة القلوب أو لامنطقيين، فإن طبيعتهم الإنسانية هي التي تسود آخر الأمر، فإنهم ضعفاء، وإنهم يطلبون التعاطف معهم بل والعطف عليهم.
فإذا قلت لمحدثك إني لا أوجه إليك اللوم، إذ إنني سأفعل مثل ما فعلت، لو كنت مكانك، فإن هذا كفيل بضمان إنجذابه إلى جانبك، وإستلال كل حقد أو تصور كان من الممكن أن ينشأ بينكما، إذا كنتما مختلفين على أمر من الأمور، وإن استثارة العواطف النبيلة في قلوب الآخرين طريقة ناجحة تماما في كسب الناس إلى وجهة نظرك، كما أنها لن تؤدي إلى مضرة لو قدر لها الفشل، وإنه ليس هناك من علاقة يحقق بها الإنسان هدف وجوده، ويرقى بها أرفع درجات مجده، وينال عليها أسمى نياشين إنجازاته، سوى العلاقة مع الله تعالي فإن توثقت سعد وأنس، وإن ضعفت انهار ويئس، ومهما ملك الإنسان من الماديات، تبقى الروح تحتاج إلى قوة أعلى، والى شعور أكمل، ولن يكون ذلك إلا في الصلة بالله والإرتباط به والإعتصام والقرب منه واللجوء إليه.
وهذا هو جوهر الدين وصلة الروح بخالقها وعلاقتها بموجدها ورازقها، الجميع يحتاج إلى هذه الصلة بلا إستثناء، ولن تعيش بطمأنينة وسعادة ما دمت قاطعا صلتك به، وكانت علاقتك به علاقة غائبة بعيدة، ضعيفة هشّة، وصلاح أحوال الناس في دنياهم وآخرتهم إنما يكون بصلاح علاقتهم بربهم سبحانه، كما أن فساد دنياهم وآخرتهم سببه إنقطاع الصلة بينهم وبين الله عز وجل، ولن تستطيع تجاوز محن الحياة والمدلهمات والخطوب، والشدائد والكروب، إلا بعقيدة راسخة في أن الله تعالي هو أكرم الأكرمين، وأنه مالك الناس أجمعين، وأن كل الخير من عنده، وأنه اللطيف بك، والعالم بما فيه الخير لك، والمانع لكل شر وضر محيط بك، ومتى نسيت هذا المعنى، زاد الحزن، وتعمّق الاكتئاب، ولم تزدد حياتك إلا سوءا.