محمود سعيدبرغش
الاستئذان هو إحدى القيم الأخلاقية الكبرى التي أرساها الإسلام، فهو يعكس حرص الدين على تنظيم العلاقات بين الأفراد بما يضمن خصوصيتهم وكرامتهم. وقد وردت العديد من النصوص الشرعية التي تُبرز أهمية هذه القيمة.
1. الاستئذان لحفظ الخصوصية
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
(النور: 27).
هذه الآية تؤكد أن الإسلام يضع نظامًا دقيقًا لاحترام خصوصية الآخرين، فلا يجوز دخول البيوت إلا بعد الاستئذان والسلام.
2. السنة النبوية في الاستئذان
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع"
(رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث يحدد أدبًا مهمًا في الاستئذان، وهو عدم الإلحاح أو الإصرار بعد ثلاث محاولات.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر"
(رواه البخاري ومسلم).
يبين هذا الحديث الحكمة من تشريع الاستئذان، وهي حماية الأعين من النظر إلى ما لا يجوز.
3. تعليم الأطفال الاستئذان
قال الله تعالى:
{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
(النور: 59).
الإسلام يُعلم الأطفال الاستئذان منذ الصغر، خاصة في أوقات معينة مثل وقت القيلولة والليل، ليعتادوا على حفظ خصوصية الأهل واحترام خصوصيات الآخرين.
4. أدب الاستئذان في السنة العملية
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال:
"أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، فقال: اذهب، فقل السلام عليكم، أأدخل؟"
(رواه أبو داود).
هنا يُعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم طريقة الاستئذان، وهي الجمع بين السلام وطلب الإذن.
5. الاستئذان في الحياة اليومية
عن كليب رضي الله عنه قال:
"جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت ولم أُسلِّم، فقال: ارجع فقل السلام عليكم، أأدخل؟"
(رواه الترمذي وأبو داود).
هذا الحديث يُظهر حرص النبي على تعليم أصحابه أدب الاستئذان.
الجوانب الإعجازية للاستئذان
1. حفظ الخصوصية ومنع الحرج: شرع الإسلام الاستئذان ليمنع الحرج الناتج عن دخول غير المتوقعين إلى الأماكن الخاصة.
2. ترسيخ العفة وحماية البصر: الاستئذان يُجنب النظر إلى ما لا يحل.
3. غرس القيم الأخلاقية: يبدأ تعليم هذه القيمة للأطفال ليشبوا عليها، ما يضمن تماسك المجتمع.
4. الالتزام بالنظام والاحترام: هذا الأدب يُربي في النفس شعورًا بالمسؤولية تجاه الآخرين.
خاتمة
الاستئذان في الإسلام ليس مجرد عادة اجتماعية، بل هو عبادة وسلوك راقٍ يحمي كرامة الأفراد، ويعكس إعجاز التشريع الإسلامي في بناء مجتمع طاهر ومتوازن، تسوده القيم الأخلاقية والاحترام المتبادل.